مقالات الرأي

جولانينا وسلَّة جنيف وبن لادن الجديد

بقلم/ محمد جبريل العرفي

بدأ انهيار حضارتنا بسيطرة العثمانيين، وتوظيفهم الدين لخدمة السلاطين ونشر التخلف. ثم استغل الإنجليز الشعور القومي المعادي للعثمانيين، فغرَّروا بالشريف حسين، وبعد انتصارهم تنكَّروا لوعودهم، وفتَّتوا أمتنا باتفاقية (سايكس-بيكو)؛ تلك المؤامرة التي نمقُتُها، بينما نقدِّس حدودها التي رُسمت وعُمّدت بالرصاص.

وبعد الحرب الأوروبية الثانية، كرر عبد الله الأول الخطأ، كممثل لبقايا ذرية الشريف حسين، المكافأة زرع الكيان في جسد الأمة، لتنبطح معظم الأنظمة العربية للغرب لحماية كراسيها، وتُناصب العداء للقطب الآخر، ومنهم القائل: “لن نعترف بالاتحاد السوفيتي حتى يعترف بالله”.

الخطئة الثالثة: الحرب على إيران إذكاء للفتنة الشيعية السنية التي زرعها الغرب بعقولنا، وبعد نجاح الثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه الصهيوني، وطردت الصهاينة، وسلمت سفارتهم للفلسطينيين، وبعد انتهاء الحرب تم غزو العراق وتدميرها.

الخطئة الرابعة: بتوظيف الدين لتجنيد الشباب، لتفكيك الاتحاد السوفيتي، فتفردت أمريكا بالعالم. وكانت المكافأة عودة الوهابيين إلينا ليعيثوا فينا تقتيلًا وتنكيلًا. وعندما فشلوا في النيل من الدول، قادت أمريكا عدوانًا مباشرًا على جيوش ثماني دول عربية؛ خمسٌ منها ما زالت تترنَّح، واثنتان (الجزائر ومصر) أنقذهما جيشهما، والثالثة أنقذتها المقاومة اللبنانية.

ثم برز في الشرق قطبان شرعا في الاستقطاب، إما بالتغلغل الناعم عبر الاقتصاد كما فعلت الصين، أو بالتدخل العنيف كما فعلت روسيا في أوكرانيا وأفريقيا.

تُدرك أمريكا أن الصين خطر على تجارتها، لأنها أصبحت عالميًّا أقوى اقتصاد، ومكتفية غذائيًّا، وتُصدِّر للخارج لدرجة أننا نجد في بيوتنا ثومًا صينيًّا وجزرًا صينيًّا، وحققت الصين تفوقًا في السلاح هزم نظيره الأمريكي أثناء المواجهة الأخيرة في كشمير، وأبهرت العالم بالتطور التكنولوجي؛ فأنشأت تطبيقات تتفوق على نظيراتها الأمريكية، مثل “تيك توك” والذكاء الاصطناعي.

الصين أفقدت الغرب عنصرين للتفوق، هما الهيمنة على التجارة العالمية؛ فلا يخلو بيت من منتجات صينية، والتحكم بالعقول؛ فخلال طوفان الأقصى منعت المواقع الأمريكية نشر المواد التي تنتقد الصهاينة أو تؤيد الفلسطينيين، وروَّجت لخطابٍ مضلل، لكن “تيك توك” أبطل هذا السلاح. فوصلت الحقيقة للشعوب، فهاجت وغضبت، إلى درجة أن مواطنًا أمريكيًّا أقدم على الانتحار. فرضخت الحكومات، وبدأت بدعم الحق الفلسطيني، وانتقاد الكيان، بل وصل الأمر إلى قطع العلاقات، وحظر تصدير السلاح، وتقديم أربعة مسؤولين صهاينة إلى القضاء الدولي.

المقاومة في فلسطين واليمن ولبنان أفقدت الكيان قيمته الاستراتيجية لأمريكا، فتحققت مقولة (جيمس جونز)، مستشار الأمن القومي الأمريكي 2009 “إسرائيل تتحول من كنزٍ ثمين إلى حملٍ ثقيل”، حيث أصبحت تكلفة حمايتها أعلى من مردودها كقاعدةٍ متقدمة للغرب تُخيف الأنظمة التي أفرزت جيلًا من الحكام العرب أشدَّتصهينًا من الصهاينة.

هزم اليمنيون أمريكا، وأصبحت واشنطن عاجزة عن حماية نفسها أو حماية الكيان، فأصبح التودد لأمريكا من نافذة التطبيع أو هرطقة “الإبراهيمية” غير مُجدٍ. أمريكا تخشى الخطر الصيني، وبدأت تتخلى عن أوروبا لصالح روسيا، وترى التمدد الروسي أقل ضررًا من التهديد الصيني.

استراتيجيات الدول لا تُحسب بالسنوات، بل بالعقود. وما نشاهده اليوم تجهيز لاستهداف الصين، بتكرار تجربة أفغانستان، حيث يلعب الجولاني دور بن لادن، وتتكفَّل الأنظمة العربية بالتمويل، وأمريكا بالدعم اللوجستي الاستخباراتي. وسيتكرر غدر الغرب بالعرب للمرة الخامسة، بتحقيق “إسرائيل الكبرى” باحتلال مكة والمدينة وشرق النيل ولبنان وسوريا وشمال العراق.

تُحارب أمريكا التنظيمات الوهابية في المناطق الموالية لها، بينما تُنظمها وتُسلحها في المناطق التي تريد زعزعة استقرارها. وستوظف قضيتَي الإيغور الصينيين، والأحواز في إيران. الكيان حاول تسليح مجرمي “داعش” في غزة لقتال (حماس)، بالتحالف مع سلطة أوسلو العميلة.

ورغم اعتراف أمير (مهد الوهابية) بخطأ توظيف الدين بإيعاز من أمريكا لتدمير الاتحاد السوفيتي، وتفاخر وزيرهم الجبير بالتآمر على الأنظمة التحررية، فإن الخطاب الديني لم يتغير، ففقهاء السلاطين يوظفون الدين لخدمة السياسة، ويغررون بجيل مجبول على الخنوع، بحجة طاعة ولي الأمر، حتى وإن كان مخطئًا، فرغم التجويع والإبادة التي تتعرض لها غزة، لم نسمع دعوةً جادّة لنصرتها. ورغم الانتصارات التي حققها أجدادنا اليمنيون، وهزيمتهم للأساطيل الغربية، ودفعهم أثمانًا باهظةً نتيجة خوضهم حربًا نصرةً لغزة السنية، ورغم اختلاط دماء المسلمين من كل الطوائف على أرض فلسطين، فلا يزال فقهاء التكفير يروِّجون لفتنةٍ طائفية بين السنَّة والشيعة.

إن دعوة الجولاني لحضور اجتماع قمة (الإتاوة الخليجية)، واحتضان ترامب له، كانت لتجهيزه لإعادة تنظيم الوهابيين لقتال الصين، والطلب منه تحقيق ثلاث خطوات:

  • تجميع ربع مليون عائلة بسوريا من ذوائح التكفيريين العرب.
  • تغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا بتوطين الإيغور والأوزبك والشيشانيين والأتراك وغيرهم، لمسح صبغتها العربية، وضمّها إلى حظيرة التطبيع.
  • التخلي عن الجولان والمقاومة، وتحويل سوريا إلى (إسرائيل الجديدة).

الرئاسي هو حصة المقاتلة في سلَّة جنيف الرباعية، ورغم العداء الشكلي بين الإخوان والوهابيين، فستتحالف سلطة جنيف مع سوريا الوهابية، فلا تستغربوا إن رأيتم شبابًا ليبيين يفجرون أنفسهم في الأراضي الصينية أو الإيرانية، لأن ذلك يُمثِّل توافقًا بين رغبة أمريكا، والوهابيين، وبعض الأنظمة، هؤلاء عدوهم لم يعد الكيان، بل الشيعة، والأشاعرة، والماتريدية، والصوفية، والأقليات الدينية العربية، ومن يقاوم الاحتلال، لهذا، وفي محاولة لدرء هذا الخطر المحدق، نتمسك بمشروع القوات المسلحة العربية الليبية لإنقاذ الوطن، رغم تقريض فئران السفينة.

زر الذهاب إلى الأعلى