مقالات الرأي

الحاجة إلى قانون دائم للطعون الانتخابية، أساسها وتوقيتها

بقلم/ عبد المجيد قاسم

في خضم النقاشات المتكررة حول المسار الانتخابي، يتكرر طرح مسألة “قانون الطعون الانتخابية”، وكأن الأمر مجرد خطوة تقنية يمكن تجاوزها بسهولة، فالحقيقة القانونية والمنطقية أبعد من ذلك بكثير، وتستحق نظرة فاحصة.

إن أول ما يمكن ملاحظته في هذا السياق أن هذه المسألة تثار في غياب المرجعيات الدستورية الواضحة، حيث لم يُعتمد بعد دستور دائم يُحدد شكل الدولة وطبيعة النظام السياسي والعلاقة بين السلطات حتى يمكن تفصيل قانون طعون انتخابية على مقاس هذه الأجسام، بمعنى أنه في مثل هذا الفراغ، يصبح الحديث عن قانون دائم للطعون الانتخابية أمرًا مثيرًا للتساؤل، إن لم نقل التناقض.

ففي الأصل، يُفترض أن تُشتق القوانين الدائمة من الدستور القائم، باعتباره الوثيقة العليا التي تُنظم الحياة العامة وتُرسي القواعد الأساسية للدولة، فالدستور هو الذي يُحدد شكل الدولة، ويُبيِّن هرم السلطة، والأجسام هي بمثابة درجات أو طبقات هذا الهرم، ويبين بشكل لزومي الاستحقاقات الانتخابية، ومن ثم، فإن سن قانون دائم للطعون الانتخابية في غياب هذه الأرضية الدستورية، يُعد كمن يضع قواعد فوق أرض رخوة.

ومع ذلك، فإننا لا ننكر إمكانية، بل ضرورة سن قوانين مؤقتة تُنظم المسار الانتقالي، ومنها قانون للطعون الانتخابية يُفصل على مقاس المرحلة، ومثل هذا القانون يجب أن يكون مرتبطًا بزمن محدد، وهيئات معينة، وصلاحيات واضحة. والتجارب المقارنة، أثبتت جدوى إصدار قوانين مرحلية، إذا تم الالتزام بالإطار الزمني المتفق عليه.

خذ مثلًا تجربة العراق بعد 2003م، بعد انهيار النظام السابق، وغياب الدستور، تم إصدار “قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية”، الذي مثّل مرجعية مؤقتة لتنظيم الانتخابات، وبموجبه، شُكلت مفوضية الانتخابات، وتم إصدار قانون انتخابي وقانون للطعون، وحددت جهة الطعن (الهيئة القضائية للانتخابات)، وتم تنظيم أول انتخابات في يناير 2005، كل ذلك جرى قبل اعتماد الدستور الدائم في أكتوبر من نفس العام، فقد كان القانون فاعلًا، لكنه لم يكن قانونًا دائمًا، بل انقضى بانقضاء مرحلته.

وبالمثل، في السودان بعد الثورة، وُقِّعت وثيقة دستورية انتقالية سنة 2019، كانت بمثابة إعلان دستوري مؤقت، جرى الحديث في ظلها عن قانون للانتخابات والطعون، لكن العملية تعثرت بسبب الصراع السياسي، المهم هنا أن وجود إطار دستوري – ولو مؤقت – هو ما يُبرر صياغة قانون مرحلي، دون ادعاء ديمومته.

أما في الحالة الليبية، فقد كانت القوانين الانتخابية التي أُقرت منذ 2012م إلى اليوم انعكاسًا مباشرًا لوضع انتقالي لم تُحسم ملامحه الدستورية بعد، فقد صدر الإعلان الدستوري المؤقت في أغسطس 2011م، وشُرعت بموجبه القوانين الانتخابية التي نُظم على أساسها انتخاب المؤتمر الوطني العام سنة 2012م، ثم جاء قانون انتخاب مجلس النواب سنة 2014م، وسط حالة من الانقسام السياسي والتشريعي.

لاحقًا، ومع انسداد المسارات السياسية، صدرت قوانين انتخابية جديدة في 2021، من بينها قانون انتخاب الرئيس ومجلس النواب، دون توافق وطني كافٍ، ما فجر خلافات قانونية واسعة، خاصة حول شروط الترشح، والطعون، والجهات المختصة بالفصل فيها، وقد كانت هذه الخلافات من أسباب تعثر انتخابات ديسمبر 2021م.

إن هذه القوانين جميعها – على تعددها وتغير صيغها – كانت، ولا تزال، نتاج حالة مؤقتة تعيشها ليبيا منذ أكثر من عقد، حالة لم تخرج منها بعد بدستور دائم يُنظم العلاقة بين السلطات، ويوضح شكل الدولة، ويُرسي القواعد القانونية الثابتة.

وهكذا، فإننا أمام معادلة واضحة: القوانين الدائمة لا تُكتب في الظرف المؤقت، ولا تُبنى على فراغ دستوري، بينما القوانين الانتقالية، هي جزء من أدوات التسيير المرحلي، وتفقد قيمتها خارج سياقها الزمني والسياسي.

إن الحديث عن قانون طعون انتخابية دائم، في ظل غياب دستور نافذ، يُشبه إلى حد بعيد محاولة بناء طابقٍ إسمنتي على سقف خشبي مؤقت: قد يصمد قليلًا، لكنه معرض للانهيار مع أول اهتزاز سياسي أو قانوني.

وخلاصة القول إنه يمكننا أن نضع قانونًا مؤقتًا للطعون الانتخابية كلما تقدمنا في مسار انتقالي، لكن لا يمكن –بأي حال– أن نضع قانونًا دائمًا للطعون في ظل غياب دستور دائم وأجسام دائمة، فالديمومة القانونية لا تقوم إلا على أرض دستورية صلبة، لا على أرضية سياسية مهتزّة ومؤقتة.

وحين نعي هذا الترتيب في الأولويات، نوفّر على أنفسنا جهدًا قانونيًّا لا طائل منه، ونضمن أن نبني البناء الانتخابي –ومن ضمنه الطعون– على أسس دستورية مستقرة، تضمن سلامته وتمنحه الشرعية والديمومة.

زر الذهاب إلى الأعلى