سيادة الوطن.. بين الحقيقة والمساومة

بقلم/ محمود امجبر
الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية تُحددها الخرائط، وليس صفقة تُبرم خلف الأبواب المغلقة، بل هو هوية، وكرامة، وسيادة، حين تتحول هذه السيادة إلى مجرد شعار يرفع في المؤتمرات، أو قرار يوقع لخدمة المصالح الضيقة، فإن الوطن يصبح رهينة لمن يرى فيه مصدرًا للسلطة والثروة، لا جوهرًا للوجود والكرامة.
في مشهد يتكرر على مر التاريخ، تستخدم السياسة لتبرير التنازل، ويطرح التدخل الأجنبي كحاجة للحفاظ على الاستقرار، بينما الحقيقة أنه استقواءٌ على الشعب، لا أكثر، دائما ما يوجد من يقاتل للحفاظ على الأرض، ومن يفرط بها طمعًا في السلطة والهيمنة، فالسيادة ليست مجرد علم يرفرف فوق سماء الوطن، بل هي الروح التي تحيي شعبه، وتمنحه حقه في تقرير مصيره، لكنها تصبح هشة حين تختطف من الداخل، حين تتحول الدولة إلى أداة في يد فرد أو عصبة، تدار وفق أهوائهم لا وفق إرادة الشعب.
إن اختطاف سيادة الدولة من الداخل، سواء كان على يد حاكم مستبد أو مجموعة نافذة، هو تدمير ممنهج للبنية الأخلاقية والسياسية للوطن، فعندما تتحول الدولة إلى مزرعة خاصة، تسخر مواردها لخدمة فئة قليلة، وتدار قراراتها وفق المصالح الشخصية، فإن السيادة تصبح مجرد وهم يتغنى به في الإعلام.
السيادة الحقيقية تعني أن يكون الشعب هو الحاكم الحقيقي، وأن تكون الدولة أداة لتحقيق العدالة، لا وسيلة لإخضاع الناس وإذلالهم، لكنها تتلاشى عندما تدار البلاد بمنطق القوة، حيث تقمع الحريات، ويسكت صوت المعارضة، ويجرم التفكير المستقل، حينها لا يعود الوطن إلا سجينا لدى من يفترض بهم حمايته، وحين تنقلب الموازين، ويصبح الحاكم هو السيد المطلق، تفقد الدولة معناها، ويتحول الوطن إلى مجرد أرض تستنزف خيراتها، وشعبٍ يسلب إرادته، هذه الظاهرة لها أسباب متعددة، أبرزها:
- غياب الوعي السياسي لدى الشعوب، مما يسمح للمستبدين بفرض هيمنتهم.
- الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث ينشغل المواطن بلقمة العيش على حساب حقوقه السياسية.
- ضعف المؤسسات الدستورية والقانونية، ما يسهل سيطرة الفرد أو العصبة على مفاصل الدولة.
وعندما يختزل القضاء في شخص قاض خاضع للنفوذ، فإن الطريق يصبح ممهدًا للاستبداد والتسلط، اختطاف سيادة الوطن يؤدي إلى انهيار قيم العدالة والمساواة، حيث تصبح القوانين مجرد أداة في يد الحاكم يكيفها كيفما يشاء، وهذا ينتج فجوة متزايدة بين السلطة والشعب، تغذي حالة من الغضب الشعبي الذي قد يتفجر في ثوراتٍ عشوائية تهدد أمن الوطن واستقراره، كما أن غياب السيادة الحقيقية يعرض البلاد إلى تدخلات خارجية، حيث تستغل القوى الأجنبية حالة الضعف الداخلي لتحقيق مصالحها، فتتحول الدولة إلى ساحة نفوذٍ بلا إرادة حقيقية.
الحفاظ على سيادة الدولة مسؤوليةٌ جماعية لا تتحقق إلا بوجود وعيٍ شعبيٍ حقيقي، فلا سيادة إلا حين يسيطر الشعب على مصيره، ولا وطن حقيقي إلا حين يكون الشعب حرًّا في قراره، مستقلًّا في إرادته، إن لم يدرك الجميع هذه الحقيقة، فإن الوطن سيبقى في مهب الريح، وستظل السيادة مجرد حروف تكتب ولا تُنفذ.