مقالات الرأي

الكلمة والإنسان.. مظهرية الشكل وجوهر المعنى 

بقلم/ المهدي الفهري

من لا يقرأ لا يتطور، والقراءة هي الفعل الحضاري الذي يجب أن يشارك فيه الجميع بلا استثناء، والكتابة كذلك تزيل عن القارئ هموم القلق والإحباط وتعكس وعيًا حضاريًّا بالانتماء للإنسان والمكان، وتطرد من محيطه كل أشكال الرتابة والحيرة وتولِّد في خياله إيحاءات إبداعية خلاقة للوعي والفهم والإدراك تحاكي واقعه وتنسجم مع الواقع الجديد وتستجيب لمتغيراته بكل مرونة وأريحية.

كفاحنا الإنساني حين يمارس بالقلم والكلمة يجب أن يوجه نحو الإنسان ونحو المحتوى والمضمون وليس الشكل، فالانحياز للمظاهر على حساب الجوهر يحوِّل العشوائية إلى سلوك دائم ويُفرِّغ المفاهيم من معانيها حتى تغدو اللغة وسيلة للتزييف بدلًا من التنوير، وهذا ما يدعونا بين الحين والآخر إلى ضبط المصطلحات وانتقائها بدقة عند التعبير أو الكتابة، لا سيما ونحن نعرِّج على بعض المفاهيم والمصطلحات العامة لكي نمنح قيمة لما يكتبه الكاتب ونعطي أهمية لما يتلاقاه المتلقي ومحاولة الربط بينهما لمد جسور من الثقة والامتنان وخلق تفاعل مع الطرح يحرك الذوق العام ويسهم في تحفيز الخيال ويضع أسسًا صلبة لبناء علاقات متجانسة توسع من مساحة الرضا والاستجابة وتقلص من مساحة التباين والاختلاف، فإرجاع المصداقية مرهون بإرجاع الثقة، والنجاح الحقيقي للكلمة هو تفاعل القراء، ونترك للقارئ حرية التقييم عبر ما يحس به من طاقات إيجابية تمده بمتعة التفكير وفسحة الأمل والانحياز للرأي الصائب والأكثر واقعية، حيث لا يتم بناء العلاقات الإنسانية المختلفة دون ترك مساحة للاتفاق ومساحة للاختلاف أيضًا، وهذه المساحة هي ما يمنح الحوار عمقًا يتجاوز المظهر ويهيئ له مرونة وقدرة على التطور ويرفع من قابليته على التدخل في الواقع وتغييره للأفضل عبر التعامل مع الصورة النمطية المألوفة وإعادة بعث روح الوصال والاتصال مع المعطيات الجديدة لتقديم الشكل المناسب في قالب حضاري جديد يحمل بصمات معنوية تشعر الجميع بالطمأنينة والتفاؤل وتدفعهم إلى البحث عن أفضل الأساليب والسبل للتواصل والتفاهم لقيام مجتمع واعٍ يصنع الثقافة والمعرفة ويعشق الكلمة.

وفي سياق الحديث عن الإنسان والكلمة تتجلى ملكة الحفظ والذاكرة كسجل للمبدع ووعاء لمادته الفنية، هذه الملكة تمثل قدرة الإنسان على استحضار الأفكار والتجارب وإعادة تشكيلها من خلال قوة البلاغة اللفظية التي تمنحه السيطرة على الانعكاسات الواقعية للمواقف الفكرية والأحداث المادية والانفعالات النفسية، وهكذا تتحول هذه المواقف والانفعالات في الكلمة إلى إيقاع وإيحاء وصيغ جمالية تعبر عن جوهر التجربة الإنسانية بكل ما فيها من عاطفة ومعنى، ولا تكتفي بالحديث أو النقد كوسيلة وحيدة للتعبير عن الرفض والقبول بالواقع دون محاولة التفكير في تغييره، بل تدفعنا إلى السير إلى الأمام لتحرير الإرادة من أسرها النفسي والعاطفي وفتح آفاق الأمل والعمل نحو واقع مختلف يليق بإنسانيتنا كبشر وكشركاء حقيقيين في صناعة الحاضر والمستقبل.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى