مقالات الرأي

11 يونيو.. ذاكرة الجلاء وبوصلة التحرير القادم

بقلم / فرج الشقار

في زمن التزوير المنهجي للتاريخ، لم يعُد غريبًا أن يُطمس يوم من أعظم أيام ليبيا؛ يومٌ أُجبر فيه آخر جندي أمريكي على مغادرة أرضنا. لم يكن 11 يونيو 1970 يومًا عابرًا في رزنامة وطنية تُملأ بالاحتفالات الشكلية، بل كان تتويجًا لإرادة شعب قرر ألّا يعيش تحت نعال المحتل، مهما كانت شعاراته ومبرراته.

اليوم، وبعد مرور خمسة وخمسين عامًا، لم يعُد في ليبيا من يجهل حجم الاختراق الأجنبي. القواعد العسكرية تتوزع على الجغرافيا الليبية كما تتوزع السرطانات في الجسد، ويعيثون فسادًا من الجو والبر والبحر، بينما يلتزم بعض من يدّعون أنهم نُخب (فبراير) صمتًا مخزيًا لا يوصف إلا بالخيانة، بل ويبررون هذا التواجد على أنه “دعم دولي” و”مصلحة وطنية”.

ولكن الحقيقة الصارخة تقول: لا حرية بدون سيادة، ولا سيادة بوجود جندي أجنبي واحد على ترابنا. وما نشهده اليوم هو استعمار ناعم بوجوه جديدة وأدوات أكثر خبثًا: يدّعون أنهم شركات أمنية خاصة، وقواعد تدّعي أنها مؤقتة وفق اتفاقيات وقّع عليها عملاؤهم، وتدخلات سياسية تُفرض من الخارج تحت ستار “الحوار” و”الاستقرار”.

في ذكرى الجلاء، لا نحتاج إلى شعارات مكررة، بل إلى استعادة الذاكرة الجماعية التي تُصر قوى الهيمنة على طمسها. فالتاريخ لا يُمحى إلا عندما نصمت عنه. إن تغييب يوم الجلاء من المناهج، وتغيير أسماء الشوارع والساحات المرتبطة به، ليست أفعالًا بريئة، بل خطوات مدروسة ضمن مخطط لفصل الليبي عن جذوره، وعن لحظات العزة في تاريخه الحديث.

إن مقاومة الوجود الأجنبي في ليبيا اليوم، لا تقل مشروعية ولا قداسة عن طرد المحتلين في الأمس. فإذا كانت الأجيال السابقة قد طردت الأمريكيين من قاعدة معيتيقة، فمن العار أن يورّث جيل اليوم وطنًا تحوّل إلى ثكنة دولية، تُصفّى فيه الحسابات على أرض الشعب الليبي، وتُدار فيه السياسة بخرائط الاستخبارات الأجنبية.

لقد آن الأوان لأن يتحول يوم 11 يونيو من مجرد ذكرى إلى بوصلة سياسية وشعبية تُنير الطريق نحو جلاء جديد؛ ليس جلاء الماضي الذي تم، بل جلاءً قادمًا ينبغي أن يشمل كل الأجسام الأجنبية المسلحة، وحتى تلك التي تدّعي المدنية والحقوق، وأولهم بعثة الأمم المتحدة، وكل أشكال الوصاية السياسية، وكل من ارتضى أن يكون أداة بيد المحتل.

لن تمر ذكرى الجلاء بصمت، ولن يُمحى التاريخ ما دام في هذه الأمة من يكتب، ومن يصرخ، ومن يقاوم.

“الحرية للوطن.. والسيادة للشعب”

زر الذهاب إلى الأعلى