-مقالات الرأي

آفة المخدرات

بقلم / د. علي المبروك أبوقرين

المخدرات آفة صحية واجتماعية واقتصادية وأمنية تهدد المجتمعات ومستقبل الأجيال. استخدمت المخدرات الطبيعية منذ آلاف السنين لأغراض طبية أو طقوسية، كالأفيون والقنب والكوكا، وكانت تُستهلك بتركيزات منخفضة لتلك الأغراض. ولكن تحويلها إلى مواد مكررة مثل الهيروين زاد من خطورتها.

ومع التطور العلمي والتقدم في العلوم الكيميائية خلال القرنين الماضيين، عُرف الميثامفيتامين في الحرب العالمية الثانية، ثم الفنتانيل، وهو مُصنع أفيوني خطير أقوى من الهيروين بمئة مرة، وتلاه الإكستاسي والقنب الصناعي. وكلها أشد خطورة بسبب تركيزاتها العالية وتأثيراتها القوية.

الانتقال من المخدرات الطبيعية إلى المصنعة (المُخلّقة) يشكل تحديًا عالميًا خطيرًا نظرًا لسهولة تصنيعها وتأثيراتها المدمرة. فالمخدرات الطبيعية المتعارف عليها تُسبب الإدمان وتلف الأعضاء، أما المصنعة فمخاطرها فورية وتأثيرها أشد وأقوى، وتُسبب آثارًا نفسية عنيفة مثل: الهلوسة، والعدوانية، والقلق، والاكتئاب، وفقدان الوعي المؤقت، وتشويش في الذاكرة، وتلف الدماغ، ونوبات ذُهان، وضعف في المناعة، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والفشل الكلوي، وتليّف الكبد، وانتشار الأمراض المعدية كالإيدز والالتهاب الكبدي، وفقدان الشهية، وسقوط الأسنان، ومشاكل جلدية.

كما يصعب علاجها لتنوع تركيباتها الكيميائية واحتوائها على مواد سامة، ومعظمها يسبب الإدمان من الجرعة الأولى، وقد تؤدي الجرعات الزائدة إلى الوفاة. ومن أشهر أنواعها:

الشابو (الميثامفيتامين)، ويُعرف بالكريستال أو الآيس.

الاستروكس، المصنّع من القنب.

الشادو، مزيج من الكيتامين (وهو مخدر طبي) مع مواد كيميائية خطيرة.

السبايس، وهو القنب الاصطناعي.

وتحتاج حالات الإدمان إلى تدخلات طبية من خلال منظومة صحية متكاملة تبدأ من الوقاية المبكرة، والتحصين السلوكي، والكشف المبكر من خلال عيادات الطب النفسي بالرعاية الصحية الأولية، ثم مراكز علاج الإدمان باستخدام البروتوكولات العلاجية، وإدارة أعراض الانسحاب، وتخفيف الأعراض الجسدية، وإعادة التأهيل الصحي والاجتماعي عبر البرامج النفسية والاجتماعية والعلاجات السلوكية، وكذلك التأهيل الاقتصادي لإيجاد فرص العمل ودمج المتعافين في منظومة الإنتاج.

وتُحذّر الدراسات من أن نسبة الانتكاس مرتفعة، إذ تصل إلى 40 – 60% خلال السنة الأولى بسبب الاعتماد الجسدي، وقصور البرامج العلاجية، ونقص المراكز والكوادر المتخصصة، وتأثير البيئة المحيطة.

وللأسف، تحولت بلادنا من معبر إلى مركز إنتاج وتجارة نتيجة الانهيار الأمني وفقدان السيطرة على الحدود والمنافذ، وسهولة اختراق شبكات التهريب والعصابات. فصارت البلاد معبرًا رئيسيًا ومركزًا للتصنيع المحلي للمواد المخدرة، وزراعة القنب الهندي، رغم الجهود الكبيرة والمضنية التي تبذلها الجهات الرقابية والضبطية والقانونية المختصة.

وقد انعكس هذا على ارتفاع أعداد المتعاطين والمدمنين، خاصة بين شريحة الشباب، بل وتناقصت الفئات العمرية إلى أعمار صغيرة، وتزداد النسب لدى الفتيات، ولو أنها لا تزال أقل بكثير من الشباب، إلا أنها تظل تهديدًا لمجتمعنا المحافظ، وتشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الأجيال.

لذلك، نرجو من الجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية البلاد والعباد من آفة المخدرات، وتكثيف جهود مكافحة المخدرات في القطاعات الأمنية والصحية والاجتماعية والتعليمية والتربوية والاقتصادية والإعلامية، وتكثيف البرامج التوعوية على مدار الساعة من خلال وسائل الإعلام، وإبراز هذه القضية في الدراما، والأغنية، والشعر، والمهرجانات الثقافية، والمناهج الدراسية، والمؤسسات الدينية، والمساجد، والنوادي الرياضية، مع ضرورة التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.

إن مكافحة المخدرات تحتاج إلى تكاثف الجهود بين مؤسسات الدولة والمجتمع المحلي والدولي، وملاحقة العصابات وشبكات التهريب، وضبط الحدود والمنافذ، ورسم السياسات الأمنية، ومراجعة التشريعات والقوانين لتكون أشد صرامة. كما نحتاج إلى التوسع في خدمات الطب النفسي بشقيه الطبي والاجتماعي، والخدمات الوقائية من خلال الرعاية الصحية الأولية، والعلاجية والتأهيلية، والتي تتطلب مراكز مجهزة ومتخصصة، وكوادر مؤهلة، ومختبرات حديثة ومتطورة لتحديد أنواع المخدرات وتركيزها في الجسم، مما يساعد في تحديد العلاجات المناسبة ومراقبة تقدم العلاج والكشف عن الانتكاسات المبكرة، وكذلك مؤسسات تمويلية واقتصادية لتمكين المتعافين.

ولا توجد حلول سحرية للعلاج، فالعلاج يتفاوت حسب نوع المخدر، وحالة الفرد، والبيئة المحيطة التي تحتاج بدورها إلى تغيير شامل.

ولهذا، نرجو من الأسر الانتباه لأبنائها، وزيادة الترابط الأسري، لأن التفكك العائلي والإهمال لهما دور كبير في الانحراف. فالتعاطي يؤدي للإدمان، والتسرب من التعليم، والاتجار، والجريمة، والسجون، والوفاة نتيجة الجرعات الزائدة، وتكاليف علاجية باهظة، مع ندرة المراكز المؤهلة والمتخصصة.

فعلى أولياء الأمور ملاحظة أي تغيرات سلوكية كالعزلة، وفقدان الوزن، والسهر، والإهمال في النظافة الشخصية والهندام، وكثرة الحوادث، والغياب عن الدراسة، وأي أعراض وردت في هذا السياق.

إن المخدرات تشكل تحديات وتهديدات خطيرة، ومكافحتها ضرورة واجبة وأساسية وجوهرية لحماية البلاد والعباد.

المخدرات موت للإرادة والإنسانية
حفظ الله بلادنا وأمتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى