الوعي في حياتنا

بقلم/ علي المبروك أبو قرين
الوعي هو درجة فهم الذات والآخرين والعالم من حولنا، وهو الأساس للتطور على المستوى الفردي والجمعي، وأساس لاتخاذ القرارات السليمة والحكيمة، وبالوعي تتحسن جودة الحياة واستدامتها، وهو فهم وإدراك ودراية العقل بنفسه والمحيط والعالم وبالأشياء المادية والمجردة، وهو انفتاح على الماضي والحاضر والمستقبل، وأساس لكل معرفة، ومهم جدًّا لتحديد نقاط القوة والضعف والرغبات الحقيقية بما يعزز الثقة في النفس واتخاذ القرارات المتوافقة مع القيم، ويساعد على التعامل مع القلق والتوتر والغضب والإرهاق بطرق سليمة وصحية، وهو الإلمام باحتياجات الآخرين ومشاعرهم، ويعزز التعاطف ويقلل الصراعات والنزاعات والخلافات، ومهم لتعزيز العدالة الاجتماعية ومكافحة التمييز.
الوعي ليس مجرد معرفة، بل عملية ديناميكية من الملاحظة والتفكير والتفاعل مع الأشياء والأحداث والناس والعالم، وهو أداة للتغيير الإيجابي والابتكار والإبداع، وكلما زاد الوعي زادت القدرات على تحقيق التوازن بين الاحتياجات والمسؤوليات، وتجنب المخاطر وتكرار الأخطاء ويجنب العواقب غير المتوقعة، ويساهم في اتخاذ القرارات الآمنة والفعالة في الحياة الشخصية والمهنية، ويساهم بشكل أساسي في بناء عالم أفضل.
والوعي يشكل الأساس المعرفي الذي تبنى عليه المسؤولية، وتترجم المسؤولية الوعي إلى أفعال ملموسة تؤثر في الذات والمجتمع، والمسؤولية التزام أخلاقي واجتماعي بالتصرف بطرق تحترم حقوق الآخرين والبيئة، لذا بالضرورة الاستثمار في الوعي لتنميته لدى الأفراد والمجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة والتقدم المجتمعي، وتعزيز المعرفة والفهم النقدي واتخاذ القرارات المستنيرة في شتى المجالات الحياتية وأهمها التعليم والصحة والبيئة والثقافة والاقتصاد.
إن الاستثمار في الوعي مهم لمساعدة الناس لفهم واجباتهم وحقوقهم ومسؤولياتهم، ولتحقيق المشاركة المجتمعية ورفع القدرات الإنتاجية، وتطوير المهارات الفكرية والإبداعية، ومهم في مواجهة التحديات والتهديدات والتغييرات المناخية، والكوارث الطبيعية، والأزمات الاقتصادية والصحية، ويجعل الفرد والمجتمع يتبنون السلوكيات الصحية الوقائية ويعملون بها، والاعتماد على التغذية السليمة المتوازنة، واتباع أنماط حياة صحية، والاهتمام بالصحة النفسية والتعامل مع الاضطرابات مثل القلق والتوتر والاكتئاب، والحرص على ممارسة الرياضة والنوم الكافي، والوعي بمخاطر التدخين والمخدرات والكحول والسمنة والكسل، والأمراض المزمنة والوراثية والجينية، وخطورة استعمال المضادات الحيوية بالشكل غير الصحيح، والوعي بأهمية الكشف المبكر واللقاحات، والرعاية الصحية الأولية والصحة العامة، والصحة الإنجابية والتعامل مع الأوبئة والجوائح والالتزام بالاحتياطات الاحترازية، واتباع الإجراءات الوقائية من الأمراض المعدية وأسبابها وطرق انتقالها.
الوعي مهم في استخدام التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطورة والوسائط والتطبيقات والمنصات الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والتعامل مع المعلومات والبيانات والأخبار والدعاية والإعلانات، وتحديد الاحتياجات الحياتية وتأثيراتها على الصحة والبيئة، وتبني السلوكيات التي تقلل من التلوث واستنزاف الموارد وتقليل الهدر، وترشيد الاستهلاك للطاقة، وحماية التنوع الحيوي والاستدامة البيئية.
إن الاستثمار في الوعي ليس ترفًا، بل حاجة ملحة لمواكبة التعقيدات الحديثة المتلاحقة التي تفرضها التكنولوجيا والتطور المعرفي والتقني والعلمي والاقتصادي، وهذا يتطلب إعادة النظر في التعليم الذي يجب أن يكون مرتكزًا على التفكير النقدي والبحث والإبداع والابتكار والتفاعل وليس التلقين والحفظ، والصحة الواحدة للفرد الواحد والإلكترونية المرقمنة والاستباقية والتنبؤية تكافح الأمراض وتمنعها وتطيل متوسط الأعمار ومعززة للصحة وتحسينها، والاقتصاد على أن يكون معرفيًّا وإنتاجيًّا وتنمويًّا، وليس استهلاكيًّا ينشر الأمراض والسلوكيات السلبية والكسل والخمول وما ينتج عنهم، وإعلام متطور يدعم الوعي ويساهم في تعزيزه وانتشاره وتمكينه، وضرورة الاستثمار في الثقافة والفنون والمسرح والموسيقى والمكتبات والندوات والمهرجانات، والحفاظ على التراث والتاريخ وتعزيز الهوية والانتماء، الوعيُ مِنْ أَجَلِّ النفائسِ وأزكى الغرائزِ، لا أمنَ إلا به ومعَه، ولا سلامةَ إلَّا لمَنْ عُني به واتَّبَعه، والوعيُ هو الحفظ الدقيق والفهم البليغ والوعي هو المظلة والمنارة لحياتنا.