الحرب العادلة والحرب القذرة

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل
تكافئ روما القديمة جيوشها المنتصرة في معارك حماية حدود الإمبراطورية الرومانية أو حتى في حروبها التوسعية، بأن توشِّح قادة جيوشها بأوسمة النصر، وتتوج هامات أبطالها بأكاليل الغار، ويستقبل شعبها جنود روما المنتصرين بالأهازيج والأفراح كما يليق باستقبال الأبطال.
في مهمة للدفاع عن حدود ليبيا الجنوبية، دخلت وحدات من القوات المسلحة العربية الليبية في معركة شرسة ضد فلول من قوات المعارضة التشادية التي عاثت فسادًا في المنطقة الحدودية، وروَّعت سكان المدن المجاورة والقريبة من الحدود، وامتهنت -لفترة من الزمن- أعمال السلب والنهب وتجارة وتهريب المخدرات والسلاح والبشر، وأخيرًا قامت -غدرًا- بمهاجمة أفراد من حرس الحدود التابعين للجيش الليبي. الاستجابة كانت سريعة وحاسمة، تكللت -بفضل الله ثم عزيمة الأبطال- بنصرٍ مؤزر، أعاد فرض سيادة الدولة الليبية على حدودها في هذه المنطقة المهمة من بلادنا.
في غرب البلاد، كانت تدور معارك طاحنة، أطرافها جميعهم ليبيون، وميادينها أحياء وشوارع طرابلس الوادعة، وهدفها تصفية حسابات شخصية ومناطقية وجهوية، والتوسع في مناطق السيطرة والنفوذ، والاستمرار في السلطة وتحقيق مكاسب مادية. ضحايا هذه الحرب ليبيون مسلمون من مدينة واحدة، وأحيانًا من ذات الحي المقسم بين هذا وذاك. مئات القتلى والجرحى سقطوا في أحياء طرابلس، وسالت دماؤهم في شوارعها، دون مراعاة لحرمة الدم وحرمة الأشهر الحرم.
في الناحية الأخرى من ليبيا، عاد جزء من الوحدات المشاركة في عملية تأمين الحدود الجنوبية إلى مقراتهم في شرق البلاد وجنوبها، وانتظموا في استعراض عسكري مهيب بمناسبة احتفالات الكرامة. رسالتهم أن ليبيا تملك جيشًا آخذًا في التطور، قادرًا على حماية الديار والتضحية في سبيلها متى لزم الأمر. فيما أعقب وقف القتال في شوارع العاصمة، هجوم مجموعات مسلحة على المؤسسة الوطنية للنفط وعلى وزارة الخارجية، لجني مكاسب المعارك التي خاضتها المجاميع المسلحة، بل زاد الأمر سوءًا حتى وصل حد التعدي على أملاك الناس وأرزاقهم تحت تهديد السلاح، وعادت الأطراف المتصارعة لتتمركز في خطوط التماس عند تقاطع الشوارع وتحت الإشارات الضوئية، لتستأنف دورها في ترويع الناس وترهيبهم.
الشعب الليبي وهو يتلمس طريق الخلاص، يجب أن يسأل نفسه: أيهما المعركة الواجبة، معركة حماية البلاد أم معركة خراب البلاد وحماية لصوصها؟ أيهما هي معركة الشرف والكرامة، معركة الميليشيات في شوارع وأحياء طرابلس أم معركة حماية تراب وأجواء ومياه ليبيا؟
حينما يجيب الشعب عن تساؤلاته تلك، سيعلم حينها من سيتوج بإكليل الغار كما في روما القديمة، ومن ستلاحقه لعنات الأجيال.