مقالات الرأي

مراسيم المنفي.. سلطة الرمز أم اجتهاد الدولة في زمن الفراغ؟

بقلم/ فرج بوخروبة

منذ توليه رئاسة المجلس الرئاسي الليبي، برز محمد المنفي كلاعب سياسي يحاول التوازن في مشهد منقسم، هش، ومثقل بالتجاذبات الداخلية والخارجية، لكن ما أثار الكثير من الجدل مؤخرًا هو صدور عدد من القرارات – أو كما يصفها البعض “مراسيم المنفي” التي يرى فيها البعض تجاوزًا لنطاق صلاحياته الرمزية، ومحاولة لتوسيع دوره في إدارة الدولة الليبية.

من الناحية الدستورية، يستند المجلس الرئاسي – وفق خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي- إلى دور رمزي وسيادي، لا تنفيذي، ويُفترض أن يكون بعيدًا عن التدخل المباشر في الشأن الحكومي، فالحكومة هي من تتولى الإدارة الفعلية للبلاد، بينما يُناط بالمجلس الرئاسي مهام تمثيلية بشكل نظري ورعاية المصالحة الوطنية.

إلا أن المنفي، عبر سلسلة من القرارات (المراسيم)، بدأ يمارس صلاحيات أقرب إلى التنفيذية: تعيينات في مناصب دبلوماسية، إقالات في بعض مؤسسات الدولة، إصدار تعليمات بشأن ملفات أمنية، والتدخل في الترتيبات المالية، وقد وُوجهت هذه الخطوات بانتقادات من أطراف سياسية ترى فيها تجاوزًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وتوسيعًا غير مبرر لدور المجلس.

يدافع أنصار المنفي عن هذه القرارات بقولهم إن الوضع الليبي الاستثنائي يفرض “مرونة مؤسسية”، وأن ضعف السلطة التنفيذية، والانقسامات الحادة، والشلل التشريعي، كلها عوامل دفعت بالمجلس الرئاسي – أو برئيسه تحديدًا – إلى ملء الفراغ وفرض شكل من أشكال الانضباط في مؤسسات الدولة، وهم يرون في “مراسيم المنفي” محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو حتى فرض توازن في مواجهة تغول بعض الأطراف.

لكن معارضي هذا التوجه يحذرون من “تطبيع الخروج عن النص”، ويخشون من أن تتحول هذه المراسيم إلى سابقة تبرر لاحقًا ممارسات سلطوية، تحت مسمى الحفاظ على الدولة، فهم يرون أن استخدام أدوات استثنائية في غياب قاعدة دستورية صلبة قد يؤدي إلى تعميق الأزمة لا حلها.

البعض يقرأ “مراسيم المنفي” بوصفها إشارات سياسية موجهة نحو الداخل والخارج، تؤكد أن المجلس الرئاسي ليس مجرد كيان شرفي. بل هناك من يرى أن هذه الخطوات هي تمهيد لدور سياسي أكبر يسعى إليه المنفي لاحقًا، سواء في حال فشل الانتخابات أو في حال إعادة تشكيل السلطة، أما على الصعيد الخارجي، فهذه القرارات توحي – لبعض العواصم الإقليمية والدولية – بأن ثمة طرفًا قادرًا على اتخاذ القرار وفرضه، ولو بالحد الأدنى، في بيئة يغلب عليها التشظي والتردد.

لا تزال “مراسيم المنفي” محل جدل قانوني وسياسي في ليبيا، هل هي اجتهاد مرحلي فرضته الظروف، أم سعي لتحصين موقع سياسي في ظل فراغ شرعي؟ الجواب يظل مرهونًا بتطورات المرحلة المقبلة، ومدى قدرة الأطراف الليبية على إنتاج توافق دستوري يحدد بدقة من يحكم، وكيف يُحكم، وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل ليبيا رهينة سلطات “مرنة”، ومراسيم تسبح بين الشرعية والتأويل.

زر الذهاب إلى الأعلى