الغرب وبعثة الأمم في ليبيا

بقلم/ قاسم صنبير
يبدو أن العالم الغربي باستخدامه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أراد لها أن تتحرك في دائرة واحدة أو مربع واحد وعدم الخروج منه، وذلك بالإصرار على طريقتها في التعامل مع الملف الليبي، حيث إنها تتبع أسلوبًا واحدًا فقط ألا وهو تسمية لجنة غير معروف كيف اختارتها مع بعض أعضاء من البرلمان والحكومة ثم ترسم آلية اختيار الحكومة، وتفرض على الشعب بعد ذلك أن يعطي لها طابع الشرعية، والتساؤل الذي يطرح نفسه: على أي مبدأ ديمقراطي أسست هذا الفعل؟
من المعروف ابتداءً أن تأسيس الدول طريقة واضحة وفقًا للقانون الدولي والعرف الدولي، لكننا نجد أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ذهبت إلى أسلوب واحد في محاولتها لحلحلة الأزمة الليبية رغم فشل كل المحاولات، يقول المفكر أينشتاين: “من الجنون أن تفعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا وتتوقع نتائج مختلفة”، لكن بعثة الأمم المتحدة لها رأي آخر، الاستمرار في نفس الأسلوب وتتوقع نتائج مختلفة، هل فعلًا تنتظر نتيجة مختلفة؟ لا أعتقد ذلك، إنها تدور في نفس المربع أو الدائرة دون البحث الحقيقي في وسائل أخرى تمكنها من الوصول إلى نتائج مختلفة، يتضح أن البعثة مكلفة فقط بتدوير الأزمة دون التفكير في حلحلتها فهي تعمل وفقًا لأوامر الدول الغربية المتدخلة في الشأن الليبي، وحين ننعت هذا الفعل برأي المجتمع الدولي نظلم باقي الأمم، فالأصح هو إرادة الدول الغربية التي لها أهداف أخرى غير المعلن عنها، فتصريحات السياسيين الغربيين وما تتناقله صحافتهم ورحلاتهم المكوكية من هنا وهناك بمبرر البحث عن حلول لا تعكس الواقع، فالواقع يقول: هيمنة على إدارة الدولة بشكل مطلق – النفط والغاز والمصرف المركزي والاستثمار والأرض والسماء والتواجد العسكري هذا هو الواقع – تعيين حكومة غير مؤهلة فاسدة تركت مهمتها المكلفة وهي أن تعمل على حل الميليشيات والذهاب مباشرة في خلق الظروف الملاءمة للانتخابات، لكنها زادت من حجم المشكلة، بل تحالفت مع الميليشيات ودعمتها وتحالفت معها في قمع المواطن ونهب المال العام والصرف دون وجه حق، صرفت المليارات دون أن تنعكس على الواقع، وصراعها على المصالح أدى إلى تصادمها مما جرها إلى صدام مسلح أزهقت فيه أرواح عدد من المدنيين، مع هذا لا تحرك البعثة ساكنًا، وكذلك الدول المتدخلة في ليبيا، رغم أن حجتهم الكاذبة في التدخل العام 2011 هي حماية المدنيين، هذا يجعلنا نعرف أسباب التدخل بشكل واضح وهي الاستيلاء على البلاد وإسقاطها كليةً وتدمير البنية التحتية وكل مؤسساتها وتنصيب حكومة فاشلة للإجهاز على ما تبقى من الدولة وإيصالها إلى حالة الإفلاس، وما نراه اليوم هو كذلك اختفاء مليارات من النقد الأجنبي والمحلي وبيع أصول شركات الاستثمار، هذا يعني أن بعثة الأمم المتحدة لها أجندتها لتغطي تلك الأفعال بصبغة أممية رغم الانتقادات التي وجّهت لها، بل لا تزال مستمرة في تدوير الأزمة كما رسم لها، فتظاهر الشعب في الميادين والمطالبة بإسقاط الحكومة، والقتال المسلح في طرابلس وسط المدنيين كل ذلك لم تلتفت إليه البعثة ولا الدول الغربية التي هيمنت على ليبيا.
محاولات مجلس النواب في الخروج من الأزمة باختيار حكومة جديدة هي أيضًا محاولة مكتوب لها الفشل لأنها ذهبت لأسلوب سبق وأن جرّبته، وهذه المحاولة الثالثة أي تكرار نفس الأسلوب وانتظار نتيجة مختلفة، فخلال متابعة مداخلات المتقدمين لمنصب رئيس الحكومة نلاحظ أن بعضهم طرح برنامجًا تفصيليًّا لحكومة تحتاج إلى دورة رأسية كاملة ويصعب أن تحقق مستهدفاتها لضخامة المشروع، ولم ينتبه لأن المطلوب هي حكومة مؤقتة تعمل على تهيئة الدولة للانتخابات، وبعضهم كأنه غير مواكب للواقع الليبي، وآخرون سرب من خلال وسائط التواصل الاجتماعي أن عنده اتصالًا بالأمريكان والإنجليز، وبعضهم غابت عنه اللغة العربية في بعض كلماتها مع احترامي للجميع.
أنا أعتبر من يتقدم لهكذا منصب وفي هذه الظروف شجاعًا فأن تتقدم وأمام الملأ وتتعهد بإنهاء الأزمة فيعلم الله بالنيات، ونأمل أن يكون الجميع صادقين، رغم عدم قناعتي أن هذا الأسلوب سيؤدي إلى نتيجة إيجابية، ولي حساسية مفرطة لمن جاء من وراء المحيطات ويدفع بنفسه للخوض في عملية الانتخابات الرئاسية وتقديم نفسه كأنه حالة نادرة وجب انتخابه لما له من سيرة عالمية وعلاقات دولية، هناك أمثلة سابقة مثلًا محمود جبريل عندما قدم نفسه على أنه خبير عالمي وعنده مفاتيح كل الأزمات وإذا به يستدعي الغرب لتدمير ليبيا، كذلك بو شاقور عندما قدم نفسه قال عنه الإخوان المسلمون إنه عالم في وكالة ناسا للفضاء وغيرهم كثر تبين فيما بعد إنهم أدوات للاستعمار وهذا الذي أوقعنا في هذه المصيبة، هنا يأتي القول المنسوب لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه “طالب الولاية لا يُولّى.
فالسعي وراء المنصب غالبًا ما يفسر لصاحبه قصد آخر غير ما يعلنه، وعرفنا نتيجة ذلك خلال الأمثلة التي سقناها، مع أنني لا أتهم أيًّا من المتقدمين لهذا المنصب لعدم معرفتي لأغلبهم.
أعتقد أن المخرج من هذه الأزمة هو تشكيل مجلس عسكري لما عرف عن المؤسسة العسكرية من انضباط وقدرتها على حل الميليشيات وبسط الأمن لفترة يمكن تحديدها ثم بعد ذلك تؤسّس الدولة في ظل استقرار وأمان، عندها تتمكن من تحقيق المصالحة وإعداد الدستور والذهاب إلى انتخابات، والرأي الآخر يتولى المجلس الأعلى للقضاء وبحماية القوات المسلحة إدارة البلاد حتى تنتهي من المطلوب منها وهو تأسيس الدولة في ظروف ملائمة، غير ذلك هو ملهاة وعبث وتكرار للأخطاء وعدم الخروج من مربع ودائرة البعثة الأممية التي تهيمن عليها الدول الغربية، وعند رفض تلك الدول، وهذا في الغالب، وجب الاستعداد لمقاومة المحتل بشتى الطرق، ولا مهرب منه لأنه الطريق الوحيد لتحرر الشعوب.