الخارجية الأمريكية تفضح حكومة الوحدة الوطنية

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
المشهد الليبي المهيمن عليه من قبل من تنحدر بهم الوضعية السفلى دون حدود في خطوة تحمل رسائل مزدوجة، فجَّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مفاجأة سياسية عندما أبدى، علنًا، استياءه من تدخل قاضٍ فيدرالي أمريكي لوقف عملية ترحيل مجموعة من المجرمين المدانين إلى ليبيا.
تصريح بدأ في ظاهره شأنًا أمريكيًّا داخليًا، لكنه سرعان ما كشف الغطاء عن مشهد ليبي مرتبك، تتحكم فيه جماعات سياسية لا تملك من الشرعية إلا اسمها، ومن السلطة إلا قمعها، روبيو لم يُخفِ أن مثل هذا التدخل القضائي أضر بمسار التفاوض السري مع دول كليبيا، وجيبوتي، وجنوب السودان، لكنه في عمق تصريحه، أشار بوضوح إلى أن ما يجري في العاصمة طرابلس اليوم لا يمكن التعويل عليه كحالة حكم مسؤولة أو شريك سياسي يحترم قواعد السيادة والتفاوض، وهو يعلم أن العصابة التي تحكم العاصمة الليبية تفقد شرعية وجودها في إدارة السلطة الفاسدة وخارج مصلحة الشعب الليبي صاحب السيادة والاستقلال، وهي تبحث عن مصلحتها في ترميم وجودها السلطوي دونما أي اعتبار لصيانة المواثيق الوطنية التي تجرم السلطة في التفريط في سيادة الدولة واستقلالها والمس بكرامتها، وصاحبت هذه التصريحات، مظاهرات عنيفة في الميادين والساحات، منادية بإسقاط هذه السلطة، حيث أعادت إلى الذاكرة صور الاقتتال المسلح والفوضى الأمنية، وعرَّت هشاشة الواقع الأمني والسياسي في العاصمة التي يُفترض أنها تحت “حكومة وحدة وطنية”، بينما الواقع يُثبت أنها تحت “سيطرة عصبة مصالح وأجندات” وتنظيمات مسلحة تتنازع وتتقاتل من أجل احتفاظها بالمغانم وإدارة المؤسسات الاقتصادية والخدمية بوسائل الفساد دون رقيب.
والغريب أن الحكومة ذاتها، تكتمت عن السر رغم أن العالم يدرك أنها طرف أساسي، حيث تم إجراء مفاوضات حول هذا الموضوع مع الأمريكان، وها هي الحكومة الأمريكية تعلن عن ذلك وحكومة الوحدة الوطنية فاقدة الشرعية لم تُجب عن السؤال الأهم: كيف وصلت المفاوضات السرية إلى هذا الحد دون علم الرأي العام أو حتى مؤسسات الدولة؟ ومن فوض هؤلاء بالتفاوض أصلًا؟
في الجانب الأهم أن الوضع السياسي في ليبيا، وبالأخص في طرابلس، لم يعد يحتمل مزيدًا من التبرير أو الصمت، فحكومة الوحدة الوطنية فقدت ثقة الشعب، وبات استمرارها عقبة أمام استعادة السيادة، وإعادة بناء الدولة، إنها حكومة بلا شرعية انتخابية، وبلا رؤية وطنية، وبلا احترام حتى لقراراتها أو لمصالح المواطنين.
إن تصريحات روبيو، وإن جاءت من الخارج، فهي في مضمونها إدانة داخلية صريحة. لقد قال للعالم، بصيغة دبلوماسية حادة: إن من يحكمون طرابلس اليوم لا يُمكن الوثوق بهم. وهذا وحده كافٍ لأن تتحرك القوى الوطنية الليبية، في العصيان والتظاهر في الميادين والساحات لخلق حالة رفض لاستمرار العبث، والليبيون لم يعودوا بحاجة إلى وصاية أمريكية أو أوروبية لتقول لهم الحقيقة، فطرابلس اليوم تنطق بها من كل زاوية شارع، ومن كل أسرة فقدت أبناءها في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لإشعال ثورة شعبية حقيقية تسقط هذه النتوءات السلطوية الفاسدة والعاملة برحيل هذه الحكومة ومن يدعمها خارجيًّا وداخليًّا، فهل يكتب الليبيون الخطوة الفاعلة في تحقيق النصر على دواعي هذا الظلم، وأن الوطن أكبر من أن يدار من قبل شخوص يعرف الشعب أنها فاسدة.