مقالات الرأي

قطرة دم توفر أنهارًا

بقلم/ ناجي إبراهيم

حتى ولو كانت السلطة مقابل التنازل عن السيادة، وتسليم الأراضي والأجواء للسيطرة الخارجية، ونزع أي سلطة محلية عليها، ليس مهمًا أن تكون ليبيا طرفًا في تحالفات وصراعات دولية وساحة للتجاذبات والاستقطابات إذا كان ذلك سيمنح المتمترسين بالسلطة مزيدًا من الوقت يبقيهم في كرسي الحكم.

لم يتخل رئيس حكومة جنيف عن إطلاق التصريحات التي تدل على مراهقة سياسية وهو يصف المتظاهرين الذين طالبوا بإسقاط حكومته الساقطة أصلًا والفاقدة للشرعية التي تأسست على النهب والفساد والتي فرضت على الشعب الليبي بإرادة الدول التي تدير ليبيا بعد 2011 يصفهم بأنهم يثيرون الفوضى ومدفوعون من أطراف كانت تحمي فساده وتتقاسمه معه، ويتهمهم بتلقي أموال من أطراف تنازعه السلطة رغم أن ذلك لم يثبت، بل شاهدنا الأموال توزع على الجماعات التي خرجت تؤيده السبت الفائت جهارًا نهارًا في محاولة مفضوحة لإظهار تأييد شعبي قادته بعض الأطراف المستفيدة من الفساد، ولم يكتف بذلك، بل تمادى في غيه وأعلن بدون حياة عزمه دعوة الحكومة الأمريكية العودة إلى قاعدة معيتيقة التي غادرتها بإرادة الشعب الليبي عام 1970 من القرن الماضي تتويجًا لكفاح الليبيين ضد الاستعمار الذي انتصر بالثورة في الفاتح من سبتمبر عام 1969 على يد الضباط الوحدويين الأحرار، وهو بذلك يستقوى على شعبه باستدعاء التدخل الخارجي المرفوض وفق كل الأعراف والقوانين، ويعارض تطلعات المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بإنهاء الوجود الأجنبي، وكل الأجسام السياسية التي مكنتهم من التواجد فوق التراب الليبي الذي تضمخ بدماء الشهداء الذين واجهوا الاحتلال العثماني والإيطالي وقوات التحالف الدولي الذي تمكن من احتلال ليبيا عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية باتفاقيات مذلة فرضتها على حكومات إدريس السنوسي بعد ما يسمى بالاستقلال، تملكت خلالها القوات البريطانية والأمريكية البر والبحر والجو وأدخلت ليبيا في خرائط الصراعات الدولية إبان الحرب الباردة في مواجهة ما سموه المد الشيوعي، وشكلت هذه القواعد التي امتدت من طبرق إلى الوطية تهديدًا للأمن القومي العربي، وشاركت القوات البريطانية المتواجدة في طبرق في العدوان على مصر في حرب 56 من القرن الماضي، وشكلت تلك القواعد دعمًا عسكريًّا ولوجستيًّا للكيان الصهيوني في جميع حروبه التي خاضها ضد الدول العربية، والتي نشهد نتائجها في حرب الإبادة التي تقودها دولة الكيان الصهيوني على شعب غزة بدعم أمريكي وغربي، ناهيك عن الأضرار التي تعرض لها الشعب الليبي نتيجة العبث والاستهتار بحياة المواطن الليبي، ويكفي أن نذكر بالجريمة التي راحت ضحيتها الطفلة معيتيقة التي تحمل القاعدة اسمها الآن ردًّا على تلك الجريمة وتذكيرًا للعالم بجرائم القوات الأمريكية فوق التراب الليبي، وهذا ما لا يفهمه الدبيبة ولن يفهمه، وهمه الوحيد الكرسي الذي سيمكنه من ثروة الليبيين حتى لو كان باستدعاء أمريكا للعودة إلى (ويلس) وشطب معيتيقة.

ما سردته لكم في هذه السطور من تذكير بالماضي وربطه بما يجري في الحاضر وما يردده بسطحية وغباء على مسامعنا رئيس حكومة جنيف ليس تخيلًا لما يدور في خلد وعقل الدبيبة، إذا كان له عقل، بل هو تصريح مكتوب ومنشور وبتوقيعه والله أعلم إن كان بكامل مداركه العقلية والتي نشك فيها، استدعاء وطلب رسمي للحكومة الأمريكية بالعودة لقاعدة (ويلس) وحتى تعفف لسانه عن ذكر الشهيدة معيتيقة حتى لا يغضب حكومة واشنطن، وتعهد أنه سيسلمها لهم، من فوض هذه المعتوه بالتصرف في الأصول الليبية وبما يمس السيادة بهذا الشكل؟

يأتي هذا التصريح الخطير الذي يضيف سقوطًا آخر لحكومة جنيف في أحضان الغرب استجداءً للدعم الأمريكي والغربي ويأتي منسجمًا مع الصمت الأمريكي تجاه الرفض الشعبي لحكومة الأمر الواقع وترجمة لتصريح المبعوثة الأممية التي وصفت حكومة الدبيبة بالشرعية، ويفسر الغموض الذي صاحب فشل العملية الانتخابية التي كان من المتوقع أن تنهي حكومة جنيف والمراحل الانتقالية التي تقف وراءها قوة قاهرة، لا أحد قادر على فهمها أو تحديد أطرافها، تصريح الدبيبة كشف عنها الغطاء وفضح هذه القوة التي وجدت فيه حصان طروادة وكارازاي ومالكي، والذي سيشرعن عودة القواعد والاحتلال المجاني، منذ اليوم وجب العمل وبكل جدية وبالجماهير والقوى المسلحة الوطنية من الميليشيات على اقتلاع حكومة التطبيع والعمالة وجميع الأجسام السياسية والعسكرية الداعمة لها قبل أن تمنح القواعد الأمريكية صكًّا مجانيًّا لاحتلال الوطن، وقطرة العرق والدم التي ندفعها اليوم ستوفر أنهارًا من الدماء والعرق والدموع.

زر الذهاب إلى الأعلى