تأملات في واقعنا الراهن

بقلم/ المهدي الفهري
الإضاءة على الإشكاليات التاريخية من حين لآخر قد يفيدنا في إدارة حاضرنا واستباق المستقبل حتى لا يستمر الأميون في دفعنا نحو الجهل وطرق التعتيم، فعند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقًا وأخلاقًا وقيمًا، ونصبح أكثر دنوًّا وقربًا من مجتمع الصعاليك.
ووصف البعض لشعوبنا ولمجتمعنا بأنه مجتمع نائم وتعيس ومتخلف عن ركب الشعوب والأمم قد يبدو للوهلة الأولى أنه وصف قاسٍ، ولكنه يحمل في مضمونه قدرًا هائلًا من الحقيقة، ويعكس واقعًا راهنًا سيئًا نعيشه ونلمسه، سواء اعترفنا به أم تجاهلناه، فغفوتنا الطويلة ونومنا العميق وعدم إدراكنا لما يدور حولنا من تحولات وتغيرات كبرى تشير إلى قصور حقيقي بات يمنعنا من القيام بأي عمل ذي قيمة من شأنه أن يُحدث فارقًا في الأداء وفارقًا في النتيجة ويغير حياتنا للأفضل.
وأمام تقاعس متعمد عن الإيفاء بواجباتنا وهروبًا معيبًا من واقعنا وعزوفًا غير مبرر لتحمُّل مسؤولية الحاضر، وفي عالم لا يتسع للعاجزين ولا مكان فيه للغافلين أمثالنا نجد أنفسنا عالقين على هامش حرِاك يسير بسرعة ويتفاعل بحيوية ونشاط مع كل جديد بالعلم والفكر والابتكار ويدعنا نحن نراوح ونتمسك بنفس المسافة الثابتة التي تفصل بيننا وبينه منذ أمد بعيد، وكأننا قرَّرنا الخلود في غفلتنا إلى الأبد، وارتضينا أن نكون في ذيل الأمم بلا خجل، في وقت يرى فيه البعض الآخر أن كسلنا وتخلفنا يعود إلى جذور ممتدة على شكل جينات تنتقل من جيل إلى جيل وترتهن إلى التعثر والتراجع وتقاوم التغيير والتجديد، وتتفادى القيام بأي محاولة أو مغامرة من شأنها أن تنتشلنا من القاع وتخلصنا من الوحل رغم ادعاءاتنا بما نتميز به من فطنة وعقل ورغم ما لدينا من مقومات ثقافية ومعنوية وما نمتلكه من إمكانات مادية ضخمة في كافة المجالات جديرة بمنحنا واقعًا أكثر نموًا وإبداعًا وأكثر عدلًا وأمنًا ولعل هذا ما يكشف حجم تخلفنا ومدى فشلنا في توظيف كل ذلك لصالحنا ولصالح أجيالنا القادمة.
وما يزيد من مخاوفنا اليوم هو أن يرث أبناؤنا أيضًا هذا العبء والرصيد المرحَّل من العجز فتوصد أمامهم أبواب الأمل والإبداع وتتوارث الأجيال الفشل بدلًا من النجاح، وتستسلم للواقع كما هو بدلًا من مقاومته والمطالبة بتغييره والالتحاق بركب الأمم المتقدمة، فالوطن اليوم ليس في حاجة إلى الشكوى وتكرار الشعارات والانتقادات بقدر ما هو في حاجة إلى تشخيص لأزمات بنيوية وهيكلية وليست ظرفية ولرؤية جادة لا تقبل التوقف وإلى عزيمة صلبة لا تعرف اليأس وإلى العمل والحكمة وبُعد النظر والاستعداد لتحمل المسؤوليات دون خوف أو تردد وإلى فعل يسبق القول وإرادة تسابق التحديات لا سيما ونحن نعيش في عالم ينهشه الجوع والرأسمالية الجشعة والعولمة الكاسحة والأوبئة والحروب وكأنها أمست قدرًا مكتوبًا من الشقاء والبؤس على كاهلنا وعلى كاهل الصغار والضعفاء من عالمنا.
ما نحتاجه فعلًا هو أن ننهض من تحت الرماد وأن نعيش كما يعيش البشر في وطن متطور لا ينتظر الظروف المناسبة، بل يسعى إليها ويصنعها بالجد والاجتهاد وطرح الأفكار والمبادرات التي تدفعنا نحو يقظة جديدة توقظ فينا روح التحدي وتعيد إلينا الثقة والإيمان بقدرتنا على تغيير الواقع الراهن وتمنحنا القوة لعبور الصعاب والقفز نحو مكان لائق يناسبنا ويستحقه أبناؤنا بين الأمم والشعوب ولنحيا حياة جديدة تتسم بالحلم والتفاؤل وتتفاعل بذكاء مع الظروف الطارئة وتتكيف معها دون أن تفقد بوصلتها الوطنية وبُعدها الأخلاقي والإنساني.