إلى السيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة

بقلم / د.علي المبروك أبوقرين -طبيب ليبي
إلى السيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة
وإلى السيدة هانا سيردا تيتية الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا .
بعد التحية
منطقتنا تمر منذ عقد ونصف بحروب ونزاعات وصراعات مسلحة ، طالت للأسف الشديد الأنظمة الصحية بالبلدان التي تشهد النزاعات المسلحة طيلة تلك الفترة ، وتسببت في انهيارات شبه كاملة للبنى التحتية الصحية ، ونقص حاد في الكوادر الصحية والامدادات الطبية .
وتعرضت المراكز الصحية والمرافق الطبية والمستشفيات للتدمير وخرج الكثير منها عن الخدمة نتيجة القصف المتعمد في بعض الأماكن ، والإهمال والسرقة والنهب والتدمير في أماكن أخرى ، وفرار الأطباء والتمريض خارج البلاد لإنعدام الأمن والتعرض للتهديدات المتكررة ، وصَعُب الوصول للخدمات الصحية لأسباب الصراعات والحصار والنزوح ، وغياب الأمن والأمان ، مما تسببت في تفشي الأوبئة وعودة الأمراض المعدية ( الكوليرا والحصبة وشلل الأطفال ) ، وارتفاع معدلات سوء التغذية لدى الأطفال والحوامل لإنهيار سلاسل إمداد الدواء والغذاء ، وتعطل برامج التطعيمات ، وإنهيار تام لمنظومات التقصي والترصد الوبائي والانذار المبكر ، والحالة الصحية لتلك المجتمعات تدمي القلب ، ومخالفات صريحة للقوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني ، ولا حياة لمن تنادي .
ما حدث ويحدث في ليبيا مؤسف جدا ، وجميعنا يعيش ويرى ويراقب الحالة المزرية التي وصل إليها النظام الصحي ، بعد أن كان نظام صحي شبه مجاني وعادل ومنصف رغم ما كان يعانيه من بعض النواقص والنقائص ، إلا أنه كان يغطي شريحة واسعة من السكان ، ويوفر الخدمات الأساسية والعلاج في الداخل والخارج ، وشاهدنا مظاهر الانهيار التي طالت النظام الصحي الليبي من تدمير للبنى التحتية الصحية ، وتعرض الكثير من المرافق والمؤسسات الصحية للاهمال والسرقة والتخريب ، وتسرب كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية المغشوشة والمزورة ومنتهية الصلاحية إلى السوق الليبي.
ومع انهيار منظومة التفتيش والرقابة الدوائية على الصيدليات والمستشفيات والمصحات والموردين ، ولا يخفى على أحد ما آلت إليه الأوضاع الصحية في ليبيا من تفشي للأمراض المزمنة والمستعصية وزيادة في حالات الأورام والفشل الكلوي وتليف الكبد والأمراض المناعية والنفسية والأوبئة ، وغياب تام للرعاية الصحية الأولية والوقائية في معظم المدن والقرى والمناطق النائية وضعف شديد في الأخرى ، وما وصل إليه حال المواطنين من عجز لتحمل تكاليف العلاج في الداخل والخارج مقابل خدمات صحية سيئة ورديئة ، وزادت الفجوات الصحية بين المناطق والمدن وبعضها للأسباب المعروفة ، وانعدمت الخدمات الصحية في المناطق الريفية والنائية، وتفاوتت الخدمات بين الناس وبعضها نتيجة ظهور مظاهر التمييز الصحي المحتمعي
مع إن الأمم المتحدة أنشأت بعثة خاصة بليبيا منذ بداية الأحداث في 2011 إلا أنه أتضح طيلة هذه المدة الطويلة أن الصحة ليست من أولويات البعثة ولا الأمم المتحدة ، والصحة لم تكن مدرجة باستراتيجيات البعثة التي أنصب تركيزها على العملية السياسية فقط دون التفكير في أهمية ربطها بالاستقرار المؤسسي والخدمات الحيوية وعلى أولوياتها الصحية ، التي بدونها تشكل تهديدًا خطيرًا لصحة وحياة المجتمع .
وللأسف لم تقم البعثة بأي توجه لإعادة هيكلة النظام الصحي ، وتجاهلها لحماية النظام الصحي من الانهيار ، ونظرا للأوضاع المتردية التي يعاني منها القطاع الصحي وتفاقم الأزمات الصحية نرجوا من البعثة والامم المتحدة اعتبار الصحة من الأولويات في خططها الاستراتيجية ، ودعم وزارة الصحة بالخبرات والقدرات والكفاءات الفنية المستقلة لوضع الخطط والبرامج التي تتؤام مع طموحات ورغبات الأمة ، وتحقق إنقاذ شامل وعاجل للنظام الصحي، مع ضرورة تفعيل منظومة التعليم الطبي والتدريب الصحي والسريري الذي يعاني من شلل تام بالكليات والمعاهد المتخصصة ، وغياب كامل للتدريب السريري ، وانعدام تام لوجود مستشفيات جامعية تتبع التعليم العالي وكليات الطب ، وضرورة تمكين المؤسسات الليبية المختصة لرقابة سوق الدواء والتوريدات وسلاسل الإمداد ، وتقديم الدعم الكامل الفني والتقني والحوكمة والشفافية ، وضرورة توفير الحماية الكاملة للمرافق الصحية والقوى العاملة الصحية أينما كانوا فهم دوما في خدمة الإنسانية ويقومون بأداء رسالتهم النبيلة ..
الليبيون يتطلعون للاستقرار المؤسسي وأولهم الصحة لتوفير الخدمات الصحية بجودة عالية ، وتطوير النظام الصحي بالرقمنة والتقنية والتكنولوجيا الطبية الحديثة والذكاء الاصطناعي والصحة الواحدة والخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية المبتكرة، فأن الصحة والعافية والرفاه حق أصيل كفلته الشرائع والدساتير والقوانين المحلية والدولية..