لا رهان على الموقف الأمريكي.. فالزيارة استثمارية!
بقلم/ محمد علوش
شهدت الأيام الماضية زيارات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عدة بلدان خليجية، لاقت اهتمامًا كبيرًا، وغلب عليها طابع العلاقات العامة والرغبة الاستثمارية والمحاولة المستميتة من قبل الإدارة الأمريكية لفرض وقائع جديدة على مستوى المنطقة وفي عموم منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها فلسطين، حيث عبر البعض عن مواقف متسرعة عن فرص سانحة وعن تغيرات جوهرية في المواقف والسياسات الأمريكية، وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق، حيث أراد ترامب تطويع المنطقة من جديد وانتهاج سياسة جديدة في تعامله مع المنطقة الخليجية والعربية، وبخاصة موقفه من رفع العقوبات المفروضة على سوريا.
وحتى هذه اللحظة لا توجد أية مبادرة أمريكية بخصوص القضية الفلسطينية، بل تعمل هذه الإدارة على الاستمرار بمشروع السلام الإقليمي والإبراهيمي على حساب القصية الفلسطينية وحلها على أساس قرارات الشرعية الدولية.
ونحن نمرُّ في مرحلة انتقالية صعبة وحساسة نشهد فيها انتقالًا تدريجيًّا صعبًا وصراعًا مريرًا في إطار الانتقال من عالم أحادي القطبية سيطرت عليه الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار “المعسكر الاشتراكي” نحو عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلًا ومساواة وانضباطًا للقانون الدولي والشرعية الدولية وانحيازًا لمصالح الشعوب النامية، بدلًا من الاستغلال والعولمة وسياسات الليبرالية التي نهبت مقدرات شعوب العالم، وهذا يتطلب إصلاح منظومة الأمم المتحدة المتهالكة ونظام “الفيتو” التي أسست ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا الشعوب المستضعفة أساسًا، لشل قدرتها على النهوض بمسؤولياتها.
إن هناك أهمية بالغة للعمل على إصلاح نظام الأمم المتحدة وبما يشمل ثلاثة عناصر رئيسية، تتعلق بتوسيع العضوية في مجلس الأمن لتمثل القارات بشكل عادل ومتوازن، وتقييد استخدام حق النقد “الفيتو”، والتأكيد أن قرارات الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة هي قرارات ملزمة التطبيق لمجلس الأمن الدولي، وأن تترافق خطة الإصلاح هذه مع النضال الأممي المشترك من أجل إعادة بناء النظام الدولي والانتقال به إلى نظام متعدد الأقطاب، يضمن حفظ السلام والاستقرار الدوليين، ويعزز العدالة والإنصاف وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ويضع حدًّا للهيمنة الإمبريالية والاستفراد الأمريكي.
هناك أهمية لصياغة رؤية جديدة وتعامل مختلف مع الإدارة الأمريكية وعبر نهج جديد بالتعامل مع المرحلة الجديدة ومتطلباتها، بما في ذلك نهج فلسطيني واضح وأدوات جديدة مع إدارة جيدة – قديمة، والانتقال إلى حوار استراتيجي مع هذه الإدارة، بدلًا من تبادل الرسائل وذلك بتشكيل فريق سياسي لإدارة الحوار الفلسطيني – الأمريكي استنادًا إلى الخبرات المتراكمة وطلاق هذا التعاون على أساس مصالح شعبنا وبما يخدم قضيته الوطنية وإنهاء الاحتلال والتمسك بالقانون الدولي والشرعية الدولية كأساس للحل السياسي.
إن الرؤية الأمريكية واضحة تجاه المنطقة، حيث تواصل عملها من أجل إعادة مسار التطبيع العربي مع “إسرائيل” وتوظيف الحرب على غزة والتغيير بالمنطقة لصياغة شرق أوسط جديد، كان قد عبر عنه نتنياهو خلال الشهور الماضية، وهذا ما يؤكد العلاقات الإستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأنه لا رهان ولا أوهام أبدًا على أي تغير مفاجئ في المواقف الأمريكية تجاه كيان الاحتلال باعتباره قاعدة استعمارية متقدمة في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، ولذلك علينا الانتباه وعدم الخضوع لبريق المواقف المتغيرة في كل محطة من قبل الرئيس ترامب، الذي يتعامل وفق عقليته العقارية والحصول على المزيد من المكتسبات من هنا وهناك، حيث تابع الجميع ما ناله ترامب من زياراته الخليجية الأخيرة.
وأمام شأننا الوطني الفلسطيني، حيث تتصاعد المخاطر الوجودية، تبقى أولوياتنا الآن في مواجهة سياسات الضم والاستيطان وشطب “حل الدولتين” في ظل الانزياح المتواصل بالمجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والعنصرية الفاشية الجديدة.
وفي هذا الإطار فإن الأولوية هي بوقف الحرب الظالمة والإرهابية المفروضة على شعبنا الفلسطيني، وإعادة فتح كافة المعابر في قطاع غزة، وتسهيل وتسريع الإغاثة الإنسانية حيث يواجه أبناء شعبنا الموت جوعًا نتيجة الحصار والإبادة الجماعية المستمرة، والانسحاب الإسرائيلي الكامل دون اقتطاع أي جزء أو إقامة أية مناطق عازلة في القطاع.
وأن اليوم التالي هو شـأن فلسطيني داخلي انطلاقًا من وحدة الجغرافيا، ووحدة النظام السياسي الفلسطيني والولاية الجغرافية والسياسية والقانونية، ووفقًا لهذا الفهم فالمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وكذلك كل ما يتعلق باليوم التالي للحرب ومستقبل غزة هو شأن وطني فلسطيني وليس شأنًا يخص حركة حماس بما تبقى لها من سلطة في غزة، وهي مطالبة اليوم باستلهام تجربة حزب الله في لبنان، والتخلي عن سياسية المحاور الإقليمية، والعمل على إجراء مراجعة سياسية جادة وشاملة لتؤهلها لتصبح شريكًا في النظام السياسي الفلسطيني.
وبالعودة للزيارة “المهمة” للرئيس ترامب إلى المنطقة، فما يعنيني منها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أعاد الترويج لبعض مشاريعه من قطر، حيث إنه يريد من الولايات المتحدة أن تمتلك غزة وتحولها إلى “منطقة حرية”، وأن لديه تصورات جيدة جدًّا لغزة، وهي جعلها منطقة حرية، وأنه سيكون فخورًا لو امتلكتها الولايات المتحدة وأخذتها وجعلتها منطقة حرية، وهو نفسه الذي طرح أكثر من مرة فكرة تهجير سكان غزة وتحويل القطاع إلى منتجع سياحي، وبذلك يبقى المشروع الأمريكي الإسرائيلي قائمًا باعتباره تحديًا للواقع الفلسطيني، وبما يؤسس لمثل هذه الرؤية البرنامجية المشتركة بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال، حيث انتقلت العلاقة من موقع الانحياز للاحتلال إلى موقع الشريك الفعلي في تنفيذ جرائم الاحتلال.
زيارة ترامب للمنطقة هي زيارة استثمارية لها أهداف متعددة لخدمة المصالح الأمريكية الإسرائيلية الثابتة رغم كل المحاولات التي سعى البعض إلى الإيهام بوجود خلافات بين كل من إسرائيل وأمريكا، فعلاقاتهما راسخة كونهما شريكين في قوة الاحتلال الاستعمارية.