في حضرة ديربي الدم
بقلم/ عفاف الفرجاني
شهدت العاصمة طرابلس في الأسبوع المنصرم أحداثًا دامية وفوضى أمنية وسياسية، سقطت فيها أكبر إمبراطورية ميليشياوية إجرامية في البلاد (الغنيوات)، بعد أن غُدر بآمرها المدعو عبدالغني الككلي، بعد استدراجه لاجتماع في معسكر التكبالي، الذي تسيطر عليه مجموعة مسلحة مؤدلجة تعمل بإملاءات خارجية، ليتم تصفيته هو ورفاقه. هذا الحدث قلب موازين القوى بين الميليشيات من جهة، والشعب من جهة أخرى.
الجهة التي غدرت بغنيوة، وهي ميليشيا 444، كانت غير دقيقة في حساباتها، فقد عوَّلوا على التأييد الجماهيري لهم بعد تنفيذهم للعملية ليستمروا في الزحف على مقرات المغدور به، وغيرها من مقرات الميليشيات مثل قوة الردع، التي هي الأخرى تحظى بشعبية جماهيرية وفقًا لمكونها الطرابلسي العام، تحديدًا من شباب سوق الجمعة وتاجوراء ومدن متفرقة في طرابلس. اشتعلت الحرب بين الطرفين مخلفةً وراءها بحرًا من الدم ودموع الأحبة.
في ذات الوقت، يهرب رئيس الحكومة المدعو دبيبة إلى مدينته ويترك العاصمة تحترق وسط تصعيد شعبي كبير. ميليشيا 444 هي الجناح العسكري للحكومة، ودبيبة يستعمل اللواء المقاتل لضمان وجوده في السلطة، واللواء يحمي الحكومة تنفيذًا لأجندة خارجية مشروعها إسلامي متطرف.
هي ليست المرة الأولى التي تعيش فيها العاصمة تحت القصف في ولاية دبيبة منذ أربع سنوات، بل تعوَّد سكانها على مستويات قياسية من الفوضى الأمنية، هذا غير القتل العبثي في كل ساعة وكل يوم على امتداد الخط الغربي من ليبيا.
رغم الجدل الذي رافق صعود عبد الحميد دبيبة وانتخابه رئيسًا للوزراء منذ توقيع الخارطة السياسية في ملتقى الحوار الليبي، لضمان استقرار العاصمة خاصة، وليبيا عامة، ورغم غضِّ الطرف عن الرشاوى التي دُفعت للتصويت لاسمه رئيسًا للحكومة، إلى اليوم والبلاد تغرق في حمَّامات دم الميليشيات ولم تُنظم انتخابات. بل بالعكس، زاد العنف وقلَّ الأمان وكثر الفساد المالي والأخلاقي.
إن تغوُّل الميليشيات في العاصمة هو نتيجة استعمال دبيبة لهم كأغطية أمنية لاستمراره في السلطة، واستفاد منها بشكل غير مشروع في سرقة أموال الشعب الليبي، ولم يُراعِ ولم يلتزم بمخرجات التوافق الوطني الذي تم التوصل إليه عبر آلية الحوار التشاركي المدعوم أمميًّا لإرساء قاعدة استقرار نسبي في البلاد.
دبيبة، الذي كان الداعم الأول لميليشيا (الغنيوات) لدرجة أنه أعطاهم نحو 26 % من ميزانية الحكومة، اليوم وبعد غدرهم يصفهم بالمجرمين والقتلى. هذه الحكومة البراغماتية التي تستعمل أدوات الشر حسب منافعها، اليوم تناصر ميليشيا أخرى، خطرها الأيديولوجي يفوق خطر سابقيها.
مع هذا التصعيد، نجد الشعب يعيش أسوأ مراحل القلق الأمني من سقوط قتلى وجرحى وتدمير بيوت وآليات. دبيبة تركها تحترق دون تقديم استقالته، ليتخندق خلف ميليشيات مدينته، واقفًا منتظرًا: من يُنهي من؟
رغم انشقاق العديد من وزرائه، ورغم استبعاد المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا كريم خان بتهمة التحرش الجنسي – والتي لا أعرف كيف وُجدت وفُتحت في هذه الظروف – ما زال دبيبة متشبثًا بكرسي الحكم حتى يكتمل سيناريو سياسة الأرض المحروقة..
ومن يُنهي من… يتبع.