الشعب وحكومة فاقدة الشرعية
بقلم/ قاسم صنبير
منذ التدخل الدولي السافر في ليبيا العام 2011 بحجة حماية المدنيين تعرضت ليبيا إلى تدمير بنيتها التحتية وانهيار كامل لبعض المرافق التعليمية والصحية وكذلك في الأرواح من قتلى وجرحى بدون أي تحقيق دولي أو تقصي حقائق، فقط استندت الدول إلى تقارير إعلامية كاذبة، وبسرعة اجتمع مجلس الأمن واتخذ جملة من القرارات استنادًا للفصل السابع، تجهزت مقاتلات الحلف الأطلسي واستأنفت الغارات على الشعب الليبي في حالة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، فالقصف من الجو والبحر وحصار البلاد وحظر الطيران وتجميد الأرصدة حتى تم إسقاط النظام في ليبيا، تم ذلك باستخدام العملاء والجماعات الإرهابية والمرتزقة وتوعدت الدول بإعادة إعمار ليبيا وبناء دولة ديمقراطية بإقامة انتخابات حرة وغيرها من الوعود الواهية، بل على عكس ذلك تدخلت الدول وسمحت بتكوين ميليشيات، وخضعت كل الحكومات لمطالب الميليشيات، وتحولت طرابلس إلى مربعات، كل مربع تحكمه ميليشيا.
أيضًا تسلحت بعض المناطق التي يقال عنها المنتصرة وانجرت البلاد إلى معارك سقط فيها آلاف الأبرياء والعالم لم يحرك ساكنًا، بل تجد دولًا تتواصل مع الميليشيات حتى تمكنها من حماية مصالحها، تعاقبت الحكومات ولم تنجز أي شيء مما كان يجب أن تقوم به وهو الإعداد لتأسيس الدولة الذي تم فعليًّا الإنفاق غير المنضبط وإهدار المال العام دون تحقيق أي نتيجة تذكر، فالفساد طال كل الحكومات آخرها حكومة الوحدة الوطنية التي استمرَّت في نهب المال العام واستنزاف البلاد من مخزونها من النقد الأجنبي وشراء الذمم حتى أصبح الفساد هو القاعدة وغيره استثناء.
من المعروف أن هذه الحكومة التي اختيرت في جنيف تدخل المال الفاسد في توافقها، فالبداية كانت فاسدة واستمرّت كذلك. في الوقت الذي يجب أن تقوم بالمهام المحددة لها وهي تعتبر حكومة مؤقتة تعمل على توحيد مؤسسات الدولة والإعداد لانتخابات وطنية وإنهاء التواجد الأجنبي وتحسين الأوضاع المعيشية وإنهاء الانقسام السياسي والمصالحة الوطنية وبناء الدولة، فتجاوزت المدة المحددة لها وفقًا للاتفاق السياسي، بل كانت مسؤولة عن ازدياد الانقسام، ولم تقم بأي مهمة مكلفة بها وأثقلت الدولة بالالتزامات حتى انهارت أكثر الخدمات، ودعمت وشرعنت الميليشيات لتحرسها وإطالة عمر الحكومة حتى تغولت الميليشيات وأصبحت شريكًا في الحكومة، وتقاسمت معها الوزارات والمؤسسات والشركات والسفارات حتى زادت الهوة بين الشعب وبين الحكومة وزعماء الميليشيات وتحولت البلاد إلى طوابير بين المصارف ومحطات البنزين والغاز وانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر خاصة أوقات الصيف ما جعل المواطن يتذمر كل يوم فالدول التي تدخلت لتدمير ليبيا كان همها الوحيد إسقاط النظام الوطني وإسقاط الدولة أيضًا.. أما الذرائع والأسباب التي ساقتها في التدخل فلم تكن موجودة أصلًا، فالهدف حققته ولم يعد يهمها الشعب ولا الدولة فقط أن تحافظ على مصالحها في ليبيا.
عندما تعارضت مصالح الحكومة والميليشيات بدأ الصراع أولًا بشكل خفي حتى انفجر بعد أن تصارعا على الشركة الليبية القابضة للاتصالات، وكان الرقم الصعب قوة الدعم والاستقرار التي غدروا برئيسها واغتيل عند استدراجه في معسكر التكبالي بطرابلس ما زاد الوضع تأزمًا، حيث خرجت الجماهير في طرابلس ونواحيها للمطالبة باستقالة الحكومة ورحيلها، إلا أن هذه المظاهرات قوبلت بالرصاص الحي ما أسفر عن قتل عشرات المواطنين العزل، مع هذا لم يتدخل العالم الغربي إلا لحماية مصالحه، ويبدو أن الغرب يهمهم الأرض وثرواتها فقط، فشعبها يموت كل يوم لانعدام التطبيب وفوضى الطرقات والدواء والأغدية المسرطنة التي لا تخضع للرقابة، زد على ذلك حالات الخطف والقتل خارج القانون الذي تمارسه الميليشيات، أي ارتفاع الجريمة، وأصبح المواطن يكابد الحياة يوميًّا وهو في حالة من الخوف والرعب ولا يعرف ما ينتظره اليوم الثاني.
ليبيا رغم الإمكانيات تتزايد حالات الفقر وتتسع الهوة ما ولَّد حالة الغضب عند أغلب المواطنين الذين أيدوا ميليشيا الردع لأنها تشكل قوة ضد الحكومة وتعاطف الغالبية للمغدور السبب الذي دفع المواطنين إلى الخروج، فكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ملأت الجموع الساحات تهتف بإسقاط الحكومة الفاسدة وتعالت الأصوات حتى بلغت القلوب الحناجر لأجل إسقاط هذه الحكومة التي سلمت كل شيء وفرطت في البلاد وقدمت التنازلات للغرب من أجل استمرارها.
لكن النتيجة التي تحققت هي أن سقطت الحكومة شعبيًّا واستقال عدد من وزرائها وكبار موظفيها ولا تزال الجموع تخرج في أحياء متفرقة في طرابلس وبعض المدن بالمنطقة الغربية حتى ترحل
هذه الحكومة.
لقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية وجب على مجلس النواب أن يتفاعل مع مصالح الجماهير بسرعة وكذلك مجلس الدولة وحث رئيس المحكمة العليا بإدارة البلاد وبشكل مؤقت إلى أن تترتب الأوضاع لاختيار مجلس عسكري يقود البلاد لفترة، حتى يحل الميليشيات وذلك بالطرق القانونية، وأن يسيطر على السلاح، وأن ينضم أفراد الميليشيات إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل فردي ويتفرغ من أراد لعمله الخاص أو العام، فوجود ميليشيات يجعل الدولة في دوامة الاقتتال، ولا يمكن أن تبنى دولة في وجود ميليشيات، الدول تبنى بجيشها ومؤسساتها الأمنية المنظمة، أرى الكثير ممن يدعون إلى الانتخابات، الحقيقة لا يمكن أن تكون هناك انتخابات في وجود الميليشيات، فالانتخابات تكون في دولة مستقرة متفقة على دستورها وفي وجود قوة تحمي مؤسساتها، أما الحديث عن الانتخابات الآن فضرب من الخيال لا يتحقق وسيكون تكرارًا لما سبق.
على الوطنيين في القوات المسلحة شرقًا وغربًا أن يتنادوا ويتجاوزوا كل الصعاب والخلافات ويسيطروا على البلاد وتحقيق الأمن حتى تتمكن البلاد من إقامة انتخابات، بدون هذه الخطوة يعني الدوران في حلقة مفرغة.
إن تجربة الشرق الليبي أفضل مثال لذلك عندما بسطت القوات المسلحة العربية الليبية سيطرتها على الشرق الليبي والجنوب عاد الأمن والأمان واستقر الناس وتحققت بعض الإنجازات لصالح المواطنين، ناهيك عن تشجيع القطاع الخاص للقيام بنشاطه، فكان الفرق الكبير بين مكان تحكمه الميليشيا ومكان يسيطر عليه القوات المسلحة العربية الليبية، يؤمن للحكومة القيام بواجباتها، وهنا الفارق العجيب، حكومة انتهت شرعيتها معترف بها دوليًّا وحكومة يختارها نواب الشعب في البرلمان لم يعترف بها دوليًّا، من هنا على كل الليبيين أن يعرفوا أن إرادة الغرب تتقاطع مع إرادتنا، لهذا لزامًا على كل الليبيين مناهضة أي مشروع غربي.