مقالات الرأي

قضايا لا تسقط بالتقادم

بقلم/ ناجي إبراهيم

أرادوها الضربة التي تقصم ظهر طرابلس، فكانت الزلزال الذي أصاب عروشهم فدمرها تدميرًا، وكانت الطوفان الذي سيقتلعهم ويطهر البلاد من فسادهم وعبثهم، وكانت الكابوس الذي أقض مضاجعهم، وقضى على أحلامهم في الجاه والسلطان، وأفشل مخططاتهم التي تدعمها القوى الاستعمارية، بتحويل ليبيا إلى مكب لنفايات الغرب، وملاذًا آمنا للمجرمين وشذاذ الآفاق. 

أقدام الجماهير التي زلزلت ميدان الشهداء هذه الأيام، وحناجرها التي هتفت بالقضاء على الفساد والفاسدين هي من ستريهم مستقبل ليبيا الجديدة الحرة السيدة.

الضربة التي لم تقصم ظهرك تقويه، طرابلس تنهض من تحت الركام، وتنفض عنها بارود الحقد والعبث وترفع عنها عتمة التضليل الذي يحاولون به حجب الحقيقة، لتنفضح ممارسات مراهقي السياسة، وساسة الصدفة، من خلال مسرحيات وزير (المعاصي) ومقاول (راقصات التيك توك) السمجة وبإخراج ركيك يصور الوضع على أنه محاولة للقضاء على مجموعات مسلحة غير شرعية، وكيف غير شرعية وهي تعمل تحت رعاية الحكومة وأنشئت بقرارات منها وبتمويلها.

الذي يحدث هو تدوير للميليشيات وتحويل طرابلس عاصمة الليبيين إلى ساحة لتصفية الحسابات الخاصة، لمصلحة المتخاصمين على السلطة والمكاسب، وبارونات المال العام، والمتصارعين على الضوء للسفير الأمريكي وتمكين ميليشيات جهوية ومناطقية للسيطرة على العاصمة لحماية فساد عائلة الدبيبة، قلنا لكم إن حبل الكذب قصير، وشمس الحقيقة، ستظهر رغم سحب الزيف والتزوير وتضليل إعلام وليد اللافي، وعلى العالم الذي استمع طيلة عقد من الزمن أو أكثر قليلًا، إلى كذبة أن الشعب الليبي يوافق على هذا العبث، واستكان للظلم، وطبع مع القهر، عليكم الاستماع إلى صوته اليوم جيدًا الذي ينطلق في كل قرية ومدينة وشارع وزقاق، وبكل أطيافه وشرائح أعماره وهو يرفض هذه الأجسام وجميع مخرجاتكم، ما ترونه اليوم وتسمعونه في الساحة الخضراء وطريق السكة هو قرار الشعب الليبي، ويمثل كل الليبيين وفي كامل التراب الليبي وبمساحة الجغرافيا الليبية التي تعرفونها جيدًا.

لم تكن أحداث الأسبوع الماضي في منطقة بوسليم، هي الحدث الوحيد الذي فجر الغضب الشعبي العارم الذي اجتاح المدن والقرى والساحات في ليبيا ولم تكن ردة فعل عليه، وإنما هي العاصفة التي سبقها صمت عن كل الجرائم التي وفرت لها بعثتكم الدولية الغطاء السياسي والقانوني، وكانت القشة التي قصمت ظهر حكومة جنيف الفاسدة التي لا تتمتع بشرعية شعبية، ويعلم الجميع كيف تشكلت والظروف التي صاحبت تشكيلها والحرب الأهلية التي كادت تذهب بنا إلى التقسيم وفق مخططاتكم التي تعدونها لمنطقتنا، وفي تهديد خطير للسلم الأهلي، وتعلمون كيف حصلت على الشرعية (الثقة) من البرلمان، والذي هو الآخر لا يمتلك الشرعية ومنتهي الولاية، وهذا الحبل الذي وضعته على رقبته حتى يعطي الثقة لحكومة لم يخترها، وحتى هذه الشرعية المغتصبة كانت قد فقدتها بسحب الثقة منها وتشكيل حكومة موازية، وصيرتموها موازية لأنها تشكلت بغير رغبة منكم، وأيضا فقدت شرعيتها بنص قانون تشكيلها الذي حدد مهلة زمنية بنهاية العام 2021 وبإنجاز الانتخابات الذي أفشلته قوتكم القاهرة، ولم نستطع استكمال باقي نصوص اتفاق جنيف وبلوغ حكومة شرعية منتخبة تنهي المراحل الانتقالية، وعلى الرغم من ذلك استمرت في السلطة مستندة على دعم إقليمي ودولي (المجتمع الدولي) وتمسكت بالسلطة رغم المطالبات الشعبية بإسقاطها، والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي الانسداد السياسي الذي تسببت فيه.

كل المحاولات باءت بالفشل أمام إصرار الدبيبة على التمسك بالسلطة وتغليب مصلحة العائلة على مصالح الليبيين، وندعو الشعب الليبي في هذه الأوقات وهو يؤسس لمرحلة أخرى، الذهاب لبناء سلطة مؤقتة تتكون من مجموعة صغيرة من الوزراء تكون مهمتها الإعداد لانتخابات برلمانية وتشريعية ولا تقصي أحدًا لم يرتبط بالدوائر الاستعمارية، ويكون الشرط الوحيد لأي مترشح وقطع الطريق على التدخلات الخارجية، والتي لن تنتج لكم حلًّا يتعارض مع مصالحهم ويحقق السيادة التامة والسيطرة على الثروات، والعمل على محاسبة كل الأجسام والأفراد الذين تسببوا في إراقة الدم الليبي الحرام، ونهبوا ثروات الشعب خلال هذه الحقبة السوداء من عمر بلادنا.

القانون الليبي والمسنود بالإعلانات العالمية لحقوق الإنسان يعاقب المسؤول عن الفعل، والامتناع عن الفعل (حال شغله للوظيفة التنفيذية وحال وقوع الجناية) مئات القتلى بل الآلاف والمغيبون قضوا نتيجة صراع نفوذ بين التشكيلات المسلحة والمدعومة من الحكومات المختلفة، في آخر حصيلة من أحداث الأسبوع الماضي 170 قتيلًا ومئات الجرحى أغلبهم قضوا في بيوتهم لا ناقة لهم عند غنيوة أو جمل في زريبة حمزة، دمهم وما لحق بهم من أضرار مادية في رقبة من يمتلك السلطة في البلاد ويمتلك ثروة الليبيين ويغدق بها على هذا ويمنعها عن ذاك، إذن جميع الأجسام الممسكة بالسلطة والمتمترسة فيها رغم انتهاء ولايتهم القانونية مسؤولة أخلاقيًّا وقانونيًّا عن كل الجرائم التي لحقت بالمواطنين طيلة تواجدهم في مراكزهم القانونية والوظيفية، ومثل تلك القضايا لا تسقط بالتقادم.

زر الذهاب إلى الأعلى