عفوًا أيها المنتفضون.. لن يسقط!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
الانتفاضة الشعبية في طرابلس المطالِبة بسقوط حكومة الفساد والتطبيع والعمالة. شكَّلت تطورًا مهمًّا في منحى الأزمة الليبية، منذ 2011 نجحت القوى الأجنبية المتدخلة في ليبيا في إبعاد الجماهير عن المشاركة في صياغة مستقبلها السياسي والاجتماعي من خلال عدة ترتيبات سياسية ونفسية وإجراءات تمويهية من قبيل إطلاق عمليات انتخابيَّة شكليَّة أوقفت عندما تبين أن مخرجاتها قد تضم بعض الوطنيين، الأمر الذي قد يحدِث فارقًا في الوضع السياسي الليبي، واستبدلت بمسلسل الحوارات الصورية وتشكيل حكومات بمسميات مختلفة وبمضمون واحد وهو إدارة الأزمة وفقًا لمصالح الدول المتدخلة، فرأينا الحكومات المؤقتة والانتقالية والوطنية والليبية والتوافق الخ، والتي أسهمت جميعها في تقسيم البلاد والإبقاء على حالة الفوضى التبعية المطلقة للأجنبي وتدمير البنى التحتية. وإفقار المواطنين وإعداد البيئة لتوطين أجانب.
لكن ليلة 16 مايو 2025 كانت فارقة، منذ انطلاق ثورة الكرامة المسلحة من مجموعة من الضباط الجنود الوطنيين في بنغازي عام 2014 لم يحدث تحرك بهذه الجدية وهذا الوضوح في المطالب، ورغم مواجهة المظاهرات بدموية من مجموعات إرهابية مرتبطة بالحكومة، وفتاوى المفتي، نجحت الانتفاضة في كسر الحصار والاستمرار في التظاهر ما يحرج المجتمع الدولي الذي يدير عمليًّا ليبيا، والمؤسسات الهشة المرتبطة به، كما حركت الوازع الوطني لدى شريحة واسعة من الليبيين الذين صاروا يدركون أن استمرار الحالة الراهنة تعني نهاية لليبيا كوطن وموطن لليبيين.
ورغم أن الحكومة الوهمية الفاسدة لا تمتلك شرعية وطنية بأي قدر وتتكون من موظفين عيَّنهم رئيسها شخصيًّا بعد استقالة أغلبهم وسحب الثقة من البقية الباقية منهم من قِبل مجلس النواب وهي لا تعمل بعقلية وأساليب الحكومات المتعارف عليها، فهي مشهد الرجل الواحد ومن خلفه بضعة من أقاربه الذين يتولون عمليات الإخراج والمونتاج والتنفيذ، لكن للأسف لن تنجح هذه الانتفاضة الشعبية الكبرى -في تقديري- في إسقاط هذه السلطة الوهمية لعدة أسباب في مقدمتها، عدم وجود شيء حقيقي يمكن أن يسقط، فلا توجد حكومة بمعنى الكلمة كما أوردنا لكي تسقط، ولا توجد سلطة فعلية ملموسة لكي تتبدل، كل ما هو موجود منظومة فساد وعلاقات فساد وإجراءات فساد وارتباطات عمالة ليس إلا، وثانيًا إن هذه الحكومة الوهمية لا تتورع عن استخدام كل الوسائل من أجل البقاء من عمليات الاغتيال العلني والسري وإلصاق التهم إلى شراء الذمم مهما بلغ ثمنها، يُقال إن الأب الروحي للعائلة الحاكمة في سلطة الفساد يقول “إن لكل شخص ثمنًا لكن قد تختلف الأثمان فمن لا تشتريه الأموال يمكن شراؤه بأموال أكثر”، وحكومة الوهم وضعت يدها على مئات من المليارات من الدولارات التي لن تتأخر في دفعها من أجل البقاء، والسبب الثالث أن الميليشيات، سواء تلك المناوئة للحكومة أو المرتبطة بها، تريد أن تبقى في المشهد، وسقوط الحكومة قد يؤدي إلى سقوطها.
هذا ليس من قبيل التشاؤم، بل للتفكير في إعادة ترتيب الأوراق، الأمر المهم هذه الحكومة ينبغي أن تسقط فورًا، وبدون دماء ولا مزيد من الدمار، لكن ذلك لن يحدث تلقائيًّا.
ينبغي على الانتفاضة الشعبية أن تبتدع أساليب مبتكرة تمكِّنها من الاستمرار والتطور وتحقيق أهدافها، وهذا يتطلب وجود خطة انتقال مؤقت للسلطة، والعمل على تحييد المجموعات المسلحة التي تستخدمها حكومة الفساد من أجل البقاء، ووضع خريطة طريق لمرحلة دائمة تدخل إجراءات تنفيذها فورًا بعد إسقاط الحكومة.
السؤال المطروح والجدي ما البديل عندما تسقط الحكومة؟
والإجابة من شقين في تقديري الأول أن ندخل في المرحلة الدائمة خلال تسعين يومًا، بأن تجرى خلالها انتخابات وفق مخرجات اللجنة الاستشارية، ويصدر إعلان دستوري مؤقت وفقها.
وثانيا أن تتشكل سلطة مؤقتة فعليًّا لإدارة مرحلة التسعين يومًا، وهنا أقترح أن يعهد الأمر إلى إحدى المؤسستين النظاميتين المحترمتين من الشعب الليبي، إحداهما أو كلتاهما، وهما القوات المسلحة والهيئة القضائية، فإما أن يكلف القائد العام للجيش بإدارة الدولة عن طريق مجلس عسكري، أو أن يكلف رئيس المحكمة العليا وعدد من المستشارين، أو تتكون سلطة مختلطة بينهما.
بدون منهج واضح ومحدد قد تستمر الانتفاضة وتتصاعد، لكن ستستمر أيضًا حكومة الفساد.