الوحدة الوطنية بين الحقيقة والوهم

بقلم/ محمود امجبر
في عام 2021، خرجت فكرة تشكيل حكومة وطنية تُوحِّد الليبيين، وتُلملم الشتات السياسي، وتُعيد توزيع الثروة بعدالة بين الأقاليم الثلاثة، كانت الآمال مُعلقة على هذه المبادرة باعتبارها فرصة للخروج من دوامة الانقسامات، لكن الواقع كان بعيدًا عن كل تلك التطلعات.
لم تكن هذه الحكومة تسير نحو تحقيق الوحدة كما زُعم، بل على العكس تمامًا، جرى استبعاد العناصر الوطنية من وزارة الإعلام والثقافة بالحكومة الليبية المؤقتة، وأُغلقت الوزارة بالكامل في مدينة بنغازي، انتقلت الوزارة إلى العاصمة طرابلس، لكنها حملت معها ذات الكوادر الإدارية والمالية التي كانت في حكومة السراج، واحتفظت بنفس الأشخاص الذين أداروا المشهد الإعلامي والسياسي من قبل.
لم يكن الهدف تحقيق الوحدة الوطنية وإيصال صوت الجميع، بل ساد صوت الأقلية المتنفذة على حساب الأكثرية، ومارست هذه الجهات كلَّ وسائل الانتقام والتربص والإقصاء. الإعلام، الأداة الأقوى في تشكيل الرأي العام، بات وسيلةً طُمس بها الآخر، وأصبح مملوكًا بالكامل للعاصمة، ما أتاح لهذه القوى فرض روايتها الخاصة على المشهد السياسي.
تحت ذريعة “لا للحكومات الموازية”، تم إقصاء الأصوات المعارضة، واستُخدمت وسائل الإعلام لخلق صورة مشوهة عن الحقيقة، لم يكتفوا بإغلاق المنابر التي لم تتماشَ مع نهجهم، بل استحدثوا منصات إعلامية تحارب المؤسسة العسكرية، وتعزز مشروعهم الذي لا يخدم سوى مصالحهم الذاتية، اليوم، مع الحديث عن حكومة موحدة جديدة، يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه. علينا جميعا الحذر من إعادة إنتاج نموذج حكم يكرس الإقصاء ويعمّق المركزية، إن أي حكومة قادمة يجب أن تكون معبرة عن مصالح الشعب الليبي ككل، وليس مصالح فئة قليلة تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي.
الوحدة الحقيقية لا تقوم على التلاعب بالمصطلحات والوعود الفارغة، بل على إعادة توزيع الثروة، وإشراك جميع الأقاليم في الحكم، وإعطاء الفرصة للعناصر الوطنية لتقديم صوتها دون إقصاء، ما يُسمّى بـ”حكومة الوحدة الوطنية” لم تكن سوى واجهة لتحقيق صفقات شخصية وجني المزيد من المال والمناصب، ومن أجل ذلك هتفوا بشعارات كاذبة عن الوحدة.
في معركة النفوذ، كان الإعلام هو العنصر الأكثر خطورة. تم استغلاله لقلب الحقائق وتزييف المعلومات، ونُقلت عبره كل أشكال المركزية التي أسهمت في تمكين نخبة معينة على حساب الشعب. الإعلام هو السلاح الذي يحدد المسار السياسي، فإن فُقدت السيطرة عليه، فُقدت القدرة على المطالبة بالحقوق وكشف الحقائق، وما لم تتحقق عدالة حقيقية في توزيع السلطة والثروة، وما لم يُتح لكل أبناء الوطن المشاركة في صناعة القرار دون تحكم العاصمة في الكفة، فإن الحديث عن الوحدة الوطنية سيظل مجرد شعار أجوف.
الليبيون بحاجة إلى حكومة شعبية شاملة، لا حكومة تُمثل مصالح نخبة محددة وتترك الفُتات للآخرين، وإن إدراك هذه الحقائق في المرحلة القادمة سيكون الخطوة الأولى نحو تفادي تكرار التجربة الفاشلة، وتصحيح المسار باتجاه وحدة قائمة على العدالة، واحترام إرادة الشعب.