التحكيم في المنازعات المصرفية
بقلم/ غادة الصيد
إن المنازعات المصرفية من أعقد المنازعات وأهمها وأكثرها صعوبة وازديادًا في ظل التوسع في أعمال المصارف وزيادة أنشطتها، حيث تُعد الأحكام القانونية المتعلقة بالأعمال المصرفية وأسواق المال أو الشركات من أكثر العمليات القانونية صعوبة، نظرًا إلى تشابك المفاهيم وتعقُّدها في هذا المجال. وقد انعكس ذلك على طبيعة القواعد التي تحكم التنظيم القانوني لهذه الموضوعات، إذ إنها تحتاج إلى متخصصين على قدر عالٍ من المهنية والكفاءة، نظرًا إلى أهميتها البالغة وخطورة النتائج المترتبة على أصغر خطأ في تنظيمها.
فالمنازعات المصرفية هي عبارة عن الخلاف الذي يحدث بين المصرف وعميله، أو بين مصرف وآخر، نتيجة ممارسة المصرف عملًا مصرفيًّا، سواء أكان عملًا تقليديًّا كفتح الحسابات، أو تلقي الودائع، وتقديم القروض، أم كان عملًا غير تقليدي كطائفة الأعمال التي ظهرت نتيجة للتطور الاقتصادي، كعمليات المبادلات والخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة، أو تبنِّي المشاريع الاستثمارية في جميع القطاعات.
ورغم أن المنازعات التي تُثار بسبب الخدمات المصرفية لا يمكن حصرها، فإن أهمها المنازعات الحاصلة بسبب التأخير في السداد ودفع المستحقات، وكذلك تقلب أسعار العملات، والمنازعات في عقود الوكالة في الاستثمار بسبب عدم الالتزام بالمواصفات، والمنازعات الحاصلة بسبب الاعتمادات المستندية، على أساس أنها مطابقة لخطاب الاعتماد ثم يتضح أن البضائع في الحقيقة غير مطابقة. وكذلك في حالات هلاك المعقود عليه قبل أو بعد التسليم، والمنازعات الحاصلة في عقود الإيجار، مثل تغيير الأجرة، أو عدم الاتفاق على مؤشر معين في حالة الأجرة المتغيرة.
وهنا تظهر أهمية التحكيم المصرفي، الذي هو عبارة عن اتفاق طرفين – أحدهما على الأقل مصرف – على تسوية النزاع الذي نشأ أو قد ينشأ بينهما بمناسبة العمليات المصرفية، بإحالته إلى محكِّم أو أكثر للفصل فيه. وذلك نظرًا إلى ما يمتاز به التحكيم المصرفي من عدة مزايا، أبرزها السرية في جميع الإجراءات والمرافعات، ما يمكِّن رجال الأعمال من إخفاء طبيعة نزاعهم وإجراءات التقاضي عن الجمهور، إذ إن جلسات التحكيم لا يحضرها إلا الخصوم أو ممثلوهم والمحكِّمون. كما تنص معظم قوانين التحكيم على عدم جواز نشر الأحكام الصادرة في قضايا التحكيم إلا بإذن الأطراف وموافقتهم، وهذه السرية تتناسب مع المعاملات الإلكترونية بوجه خاص، وسواء رُوعي في ذلك جانب المصرف أم جانب العميل، فكلاهما يحرص على سرية معاملاته.
كما أن المرونة في إجراءات التحكيم هي أيضًا من المزايا الأساسية له، حيث يمكن للأطراف اختيار الإجراءات الواجبة التطبيق على التحكيم، واختيار المحكِّمين. فعند وجود نزاع خاص بالمسائل المصرفية، يكون تحديد المحكِّم بناءً على خبرته بالمسائل المصرفية، ولا يُقارن القضاة في هذا المجال بالمصرفيين مهما كانت خبرتهم.
كذلك تُعد سرعة الوصول إلى حكم تحكيم نهائي ميزة ضرورية في الحياة التجارية، التي تعتمد على صفتين هامتين: الائتمان التجاري، والسرعة في إنجاز الأعمال التجارية، فكثيرًا ما يصدر قرار المحكِّمين في أقل من ستة أشهر من استلامهم مهمة التحكيم، ولهذا، من الضروري التشجيع على اللجوء إلى التحكيم المصرفي في منازعات العمليات المصرفية، وذلك من خلال إنشاء مركز خاص بالتحكيم في المنازعات المصرفية.