مقالات الرأي

ذكرى الانتصار على الفاشية.. درس أساسي

بقلم/ محمد علوش

إن الشعب الفلسطيني الذي يدين لسياسات الاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية لاحقًا، الداعمة بلا شروط لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، حيث ننتهز الذكرى الـ80 لعيد النصر على النازية، لنسجّل التقدير للشعب الروسي الصديق وقيادته الحكيمة برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، التي استطاعت تجاوز الكثير من الصعاب الداخلية والخارجية والعودة بروسيا إلى لعب دور مركزي في النظام الدوليبما يعزز قدرة الشعوب المقهورة في مواجهة الاستعمار الجديد والإرهاب الظلامي في مواجهة الاستعمار وسياساته.

إن الوفاء لعيد النصر على النازية، هو سلاح النقد واستخلاص الدروس والعبر منها ومن تجربة الاتحاد السوفيتي السابقة، واستلهام هذه النتائج في صوغ رؤية لاشتراكية ديمقراطية معاصرة تجيب عن تحديات أزمة نظام العولمة الرأسمالية المتوحشة الراهنة التي تطحن الشعوب ومكتسباتها، وتقدم نموذجًا جديدًا في السلم والتقدم والعدالة الاجتماعية.

إن شعبينا الفلسطيني والروسي تجمعهما صداقة استمرت لقرون، وإن الروابط السياسية والثقافية والتعليمية والنظرة المتشابهة للنظام العالمي والرغبة الملحة في إنشاء دولة فلسطين المستقلة فضلًا عن الحب والاحترام للأرض المقدسة جعلتهما أصدقاء تجمعهما قواسم ومصالح مشتركة، ومن هنا نجدَّد الدعوة إلى القيادة الروسية والشعوب الخيرة لدعم شعبنا الفلسطيني لرفع الظلم التاريخي الذي لحق به، وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس طبقًا لقرارات الشرعية الدولية.

من فلسطين التي ما زالت ترزح تحت آخر احتلال في التاريخ المعاصر، وفي ظل قهر سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يحد من قدرة هذا الشعب المناضل من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعن المشاركة في مسيرة التقدم الإنساني والحضاري، نعبر عن شعورنا بالفخر والاعتزاز بتراث وتاريخ الشعب الروسي العظيم الذي سجل الانتصار على النازية وما كلفه ذلك من خسائر بشرية ومادية ومن تضحيات سيخلدها التاريخ دائمًا.

ومن المؤسف للغاية اليوم أن أيديولوجية النازية والشوفينية ترفع رأسها في جميع أنحاء العالم، في أوروبا ودول الاتحاد السوفيتي السابق والشرق الأوسط بشكل خاص، ومرة أخرى يتحدث مناصروها عن شعوب أعلى وأدنى، وكذلك عن دول وشعوب متحضرة وبربرية، يمكن فرض سيطرة عليها، حيث نسجل تقديرنا لدور روسيا اليوم وهي تعارض هذه الأيديولوجية بكل مظاهرها في كل مناطق العالم، وتسعى إلى بناء نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، حيث تسمع وتقدر أصوات الناس من جميع الأعراق والجنسيات والأديان.

يحيي الأصدقاء الروس ومعهم كل دول وشعوب العالم المتطلعة للتحرر والحرية والسلام، هذه الذكرى المجيدة للانتصار العظيم على الفاشية والنازية خلال الحرب العالمية الثانية، ودحرها كليًّابفضل بسالة وتضحيات شعوب الاتحاد السوفيتي وجيشه الأحمر بالدرجة الأولى، وهذه هي الحقيقة التي حاولت الإمبريالية وحلفاؤها الغربيون تغييبها على مدار العقود الماضية وما زالت، وهذه الذكرى تشكل انتصارًا لشعوب العالم وتطلعاتها، في ظروف بالغة التعقيد على الصعد كافة، خاصة في ظل دخول الرأسمالية طورًا متقدمًا في وحشيتها جراء السياسات الليبرالية الجديدة، واتساع وتصاعد السياسات العدوانية للإمبريالية الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، واتساع دائرة العدوان وحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على شعبنا الفلسطيني، وتأجيجهما للنزعات العنصرية والفاشية وهستيريا الحرب، والإمعان في التنكر لحقوق شعبنا الفلسطيني العادلة والمشروعة بدحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وللقوانين والقرارات الدولية، واستمرار الدعم السافر الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإدامة الاحتلال الإسرائيلي وخططه الاستعمارية، بما في ذلك دعمها للحكومة الإسرائيلية الفاشية في حرب الإبادة المتواصلة ضد شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في قطاع غزة الذي يتعرض لمجازر يومية وللتجويع والحصار ومحاولات الاقتلاع والتهجير، وكذلك استمرار التهديدات المتصاعدة لحقوق ومصالح الشعوب وسيادة دولها الوطنية، بما في ذلك تجاه منطقتنا العربية، وتهديد الأمن والسلام الدوليين، نتيجة لتلك السياسيات المتطرفة.

ولم يكن ليتحقق هذا النصر العظيم، وما أفضى إليه من تغيرات كبيرة لصالح القيم الإنسانية وضد الرأسمالية المتوحشة، لولا التضحيات الكبيرة التي قدمتها البشرية، والتي فاقت الخمسين مليون قتيل وملايين الجرحى، وتخريب هائل للمدن والمزارع والمصانع والمستشفيات ومؤسسات التعليم وغيرها،حيث جاء في مقدمة الشعوب التي قدمت التضحيات، شعوب الاتحاد السوفيتي، وريثة ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، التي قدمت تضحيات عظيمة فاقت العشرين مليون شهيد، مما يسجل لها مأثرة خالدة تستحق الوفاء دومًا، مهما حاولت القوى الرجعية والإمبريالية تزوير وقائع وحقائق التاريخ.

وإذ تحتفل كل قوى الخير والحرية بالذكرى الثمانين للانتصار على الفاشية، وتنحني إجلالًا لتلك التضحيات، يراقب العالم النمو السريع لليمين الرجعي الاستبدادي وللقوى الفاشية، في ظل اشتداد الأزمة البنيوية للدول الرأسمالية المتطورة، وبدعم وتكافل الليبرالية الجديدة المتناغم مع تخلي البرجوازية عن ادعاءاتها الكاذبة في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، وتحويلها مؤسسات الدولة، كالبرلمان والقضاء، إلى سوق مقايضات ومساومات، فيشتد القلق من السياسات التي يتبعها هذا اليمين المتطرف، لاسيما في تأجيج سباق التسلح وإشعال الحروب وحروب الإنابة، والنهب العلني الوقح لخيرات الشعوب النامية، والاستهتار بالقانون والشرعية الدولية وتطويعهما لصالح خططه التوسعية والعدوانية، والتبني الصارخ لكل الأفكار العنصرية والسعي إلى إضفاء قدسية عليها، والهجوم على مكتسبات دولة الرفاه وما انتزعته الشعوب من حقوقها في العدالة والديمقراطية والحرية والعيش الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى