الدعم النقدي.. التحديات وضمانات النجاح
بقلم/ عبد الفتاح الشريف
خلصنا في المقال السابق إلى أن إلغاء دعم المحروقات في دولة ريعية يعتمد على النفط له فوائد اقتصادية محتملة (كخفض الهدر وتحسين المالية العامة)، لكنه قد يؤدي إلى صعوبات معيشية حادة للفقراء وأصحاب الدخل المحدود إذا لم يتم تنفيذه بحكمة، مع أهمية أن يصاحب هذا الإجراء سياسات حماية اجتماعية فعالة لضمان عدم تفاقم الفقر وارتفاع فجوة التفاوت الطبقي، واقترحنا أن يتم رفع الطعم تدريجيًّا خلال 3-5 سنوات واستبدال الدعم بتعويضات نقديه مناسبه ومباشره لتعويضهم عن ارتفاع الأسعار وحتى نخفف من صدمة إلغاء الدعم على أصحاب لدخل المحدود والطبقات الفقيرة التي ليس لها قدرة على امتصاص الصدمة خلافا لأصحاب الدخول العالية والطبقات الغنية، ونستعرض في مقال اليوم التحديات المصاحبة لاستبدال دعم المحروقات بالتعويض النقدي:
– التحديات التقنية والإدارية بسبب ضعف قاعدة البيانات الاجتماعية التي لا تضمن تحديد قوائم المستحقين بدقة بسب عدم تحديث البيانات المتعلقة بالعاطلين عن العمل والعمالة غير الرسمية (الموسمية) والأيتام والأسر التي تعيلها النساء، وبالتالي تقع الدولة في خطر استبعاد فئات مستحقة وتضمين آخرين من غير المستحقين.
– غياب البنية التحتية للتحويلات النقدية، وذلك لعدم امتلاك بعض الشرائح الاجتماعية حسابات مصرفيةأو لصعوبة وصولهم إلى الخدمات المالية الرقمية، وهذا قد يضطر بعض الجهات والهيئات العامة إلى اللجوء إلى التوزيع النقدي المباشر على المستحقين الأمر الذي قد ينتج عنه تسرب الأموال عبر الوسطاء.
– التحديات الاقتصادية مثل الضغوط التضخمية في المناطق الفقيرة التي قد تنجم عن زيادة السيولة النقدية دون زيادة المعروض ولهذا من المهم رفع الدعم تدريجيًّا تلافيًا لحدوث صدمة أسعار تفوق قيمة التعويضات النقدية.
– التكلفة المالية للدولة الناجمة عن التعويضات النقدية قد تكون مكلفة على المدى الطويل بسبب التوسع لاستيعاب فئات جديدة.
– التحديات الاجتماعية والسياسية التي قد تحدث بسبب اعتراض الطبقات المتوسطة التي تشعر باستبعادها من الدعم النقدي برغم احتياجها كما يتوقع استياء الفئات المستفيدة من الدعم غير المباشر مثل أصحاب النقل العام وصغار التجار.
– احتمال تحول البرنامج إلى إعانة دائمة بدلًا من كونه حلًّا مؤقتًا لتمكين الفقراء.
لذلك يجب اتخاذ جملة من الإجراءات الكفيلة بنجاح سياسة التعويضات النقدية مثل:
- إنشاء سجل اجتماعي موحد يشمل بيانات دقيقة عن الدخل والظروف المعيشية والاحتياجات عبر مسوحات ميدانية وتقنيات رقمية يتم عن طريقها تحديد المناطق الأكثر فقرًا والأكثر بطالة حتى يتم بموجب هذه البيانات إصدار بطاقات ذكية مرتبطة بالرقم الوطني.
- ربط الدعم بمعايير محددة مثل الأسر تحت خط الفقر، ذوي الإعاقة، الأرامل، العاطلين عن العمل.
- ضمان آلية توزيع شفافة وآمنة باستخدام التحويلات الرقمية مثل الحسابات المصرفية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات الممغنطة لتقليل التسرب والفساد لخدمة الدواخل والمناطق النائية.
- الإشراف المستقل على توزيع الدعم النقدي ومتابعة عملية التوزيع لضمان وصول التعويضات إلى مستحقيها بإنشاء هيئة مستقلة تتابع عمليات الصرف وتستلمشكاوى المستفيدين.
- كما ينصح باتباع سياسات مصاحبة لتخفيف الآثار الجانبية لإلغاء الدعم، وذلك من خلال الرفع التدريجي للدعم والتدرج في خفض دعم المحروقات مع زيادة التعويض النقدي لتجنب الصدمة وحماية القطاعات المتضررة مثل دعم النقل العام وتخفيض أسعار التذاكر للفقراء ومنح إعفاءات ضريبية وقروض للمشاريع الصغيرة المتأثرة بارتفاع الوقود.
- تنفيذ برامج تموينية طويلة الأجل وذلك بربط الدعم النقدي ببرامج التشغيل واشتراط التسجيل في برامج التدريب المهني والتسجيل في قوائم الباحثين عن عمل للحصول على الدعم.
- استثمار المدخرات في مشاريع تنموية بتوظيف الأموال التي تم توفيرها من إلغاء الدعم إلى الصحة والتعليم والبنية التحتية.
وبتطبيق هذه الضمانات يمكن تحويل الدعم من عبء اقتصادي إلى أداة حماية اجتماعية ذكية.