مبادئ الأخلاق القضائية
بقلم/ غادة الصيد
القضاء مهمة جليلة وضمانة جوهرية لا يُستغنى عنها لكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، فالقضاء مرتبط بحقوق الإنسان وحرياته ارتباطًا عضويًا، ومن ثم فإن وجود القضاء القائم على المبادئ العامة التي خطّتها الدساتير والتشريعات في العالم كافة، من استقلال وحياد ونزاهة، هو الضمان الأساسي لدولة القانون.
لهذا، حرصت كثير من الدول على وضعها في تشريعاتها المحلية في شكل قواعد قانونية أو مدونات أخلاقية تُنبّه القاضي إلى مبادئ الأخلاق وتؤكد على ضرورة الالتزام بها. وفي ليبيا، صدرت أول مدونة للأخلاقيات القضائية سنة 2008 بقرار رقم (3) عن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وقد تم التأكيد عليها وتعديلها بموجب القرار رقم (21) في 10/2/2019 الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء، الذي جعل من القواعد الواردة بهذه الوثيقة التزامًا قانونيًا وليس مجرد التزام أدبي كما كان سابقًا في الوثيقة المعدّلة.
وقد أوردت المدونة ست قواعد أساسية، أتبعتها بقواعد تفسيرية وإرشادية لتلك القواعد، وهي كالتالي:
استقلال القضاء، يُعتبر من الأولويات اللازمة لمبدأ المشروعية، والضمانة الأساسية للمحاكمة العادلة. لهذا السبب، يكون عضو الهيئة القضائية هو المثال البارز لصيانة استقلال العدالة، ولمحافظة القاضي على استقلاله يجب أن يمارس مهمته مستقلًا في تقديره للوقائع وتطبيقه للقانون، ودون تأثير خارجي أو تحريض أو ضغط أو تهديد أو تدخل مباشر أو غير مباشر من أي طرف كان ولأي سبب كان.
النزاهة، وتعد مبدأ أساسيًّا وجوهريًّا في العمل القضائي، ومبدأ النزاهة لا يهم القرار أو الحكم القضائي فقط، بل يهم أيضًا الإجراءات التي تؤدي إلى صدور هذا القرار. ولضمان تطبيق هذا المبدأ، على القاضي أن يمارس عمله دون محاباة أو تحيّز أو مجاملة لأحد.
الاستقامة، وهذه القاعدة تُعتبر محور السلوك للقاضي، لأنه لو استقام عضو الهيئة القضائية وراقب سلوكه الحياتي اليومي في مكتبه وعلى منصة القضاء، فإن ذلك الأمر مدعاة لكسب رضا الخصوم وثقتهم في أنهم أمام قاضٍ عادل ونزيه.
اللباقة، تشير هذه القاعدة إلى ما يجب أن يكون عليه عضو الهيئة القضائية من لباقة وذوق في التعامل مع محيطه وداخل عمله.
المساواة، إن المساواة بين الخصوم أمام المحاكم أمر أساسي وركيزة من ركائز العدالة في ممارسة العمل القضائي، وهذه القاعدة تُعد تأكيدًا للمبدأ المنصوص عليه في كافة المواثيق الدستورية الليبية، التي كان آخرها الإعلان الدستوري الصادر في 2011/8/3، حيث جاء في المادة السادسة أن “الليبيين متساوون أمام القانون”.
وذكرت مدونة السلوك في تطبيقات هذه القاعدة أنه يجب على القاضي أن يكون مدركًا ومتفهمًا للتنوّع الموجود داخل المجتمع، والاختلافات الناشئة من مختلف الأسباب بالنسبة إلى المواطنين أو الأجانب، باعتبار أن لهم حقوقًا وضمانات كفلها لهم القانون، ومن حقهم أن يحصلوا عليها بكرامة وإنسانية وشرف.
الكفاءة والاهتمام، حيث جاء بهذه القاعدة وجوب أن يحرص عضو الهيئة القضائية على أن يُكرّس وقته ونشاطه لمهنته، وألا يغادر البلاد في غير الإجازة القضائية إلا بعد حصوله على الإذن الكتابي من رئيس الهيئة القضائية العامل فيها، وأن يعمل على رفع كفاءته، وعليه الاطلاع على تطورات القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، ومنها قرارات التحقيق والتأجيل والحجز للحكم والنطق به والتسبيب، وإعداد الطعون والمذكرات، كل ذلك بفاعلية وأمانة كاملة ودقة بالغة واهتمام شديد وحرص دقيق، داخل آجال معقولة، مما يكفل سرعة الإنجاز في العمل القضائي دون الإخلال بجودة العمل. وبالحقيقة، فإن الرفع من كفاءة عضو الهيئة القضائية هو واجب مشترك بين القاضي والسلطة القضائية التي يقع عليها الالتزام بتوفير الإمكانيات اللازمة من موسوعات وكتب قانونية ودورات في كافة المجالات القانونية.
وعليه، فإنه على إدارة التفتيش القضائي وفروعها الحرص على مراقبة تطبيق قواعد المدونة ومحاسبة المخالفين لها، ضمانًا لتطبيق قواعد هذه المدونة، وصولًا إلى الأهداف السامية التي ينشدها القضاء.