مقالات الرأي

قسمة ضيزى!! فعلًا في الأمر “إن”

بقلم/ مصطفى الزائدي

لم يعد تسريب الأخبار عن نوايا الحكومات الغربية يتم بطرق سرية وعن طريق أجهزة متخصصة مهتمة بتوجيه الرأي العام في العالم، بل صار مسرحًا مفتوحًا تُعلن فيه الخطط بصراحةٍ تامة، وكأنها جزء من استراتيجية علنية لتكريس الهيمنة دون حاجة إلى إخفاء الأهداف. فمع صعود دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة ثانية، شهد العالم تحولًا جذريًّا في أدوات الدبلوماسية الأمريكية، من اللف والدوران والنفاق السياسي إلى المواجهة المباشرة، ومن التلميحات إلى التصريحات الصادمة. فلم يعد الرئيس الأمريكي يكتفي بتبادل الاتهامات خلف الكواليس، بل يعلن شخصيًّا ما كان يُعد تسريبات قابلة للتشكيك والتصديق، فلقاءاته مع قادة الدول تُذاع على الهواء مباشرة، وحواراته المتغطرسة معهم يشاهدها الملايين، ومطالبه منهم تُبث على الملأ، ولم يُستثنَ من ذلك أصدقاء الولايات المتحدة المقربون وحلفاؤها الموثوقون وعملاؤها المأجورون. فلقاءات الرئيس ترامب مع رئيس وزراء كندا وبريطانيا والكيان الصهيوني ورئيس فرنسا ورئيس أوكرانيا وملك الأردن وغيرهم من الذين يمثلون النماذج المذكورة أعلاه، وكذلك مطالباته لدول حليفة بدفع تكاليف علاقات أمريكا الممتدة لعقود معهم وحمايتها لهم، تحدث في الموضوع بعنجهية مع اليابان وألمانيا والخليج العربي.

ذلك يوضح الأسلوب الجديد للإدارة الأمريكية في إعلان نواياها في السياسات الداخلية والخارجية.

هذه المقدمة ضرورية لفهم وتقييم ما يُنشر من أخبار تتعلق بسياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية، ومنها ليبيا.
في هذا الإطار علينا التعامل مع الأنباء التي تطفو على السطح عن مفاوضاتٍ مريبة بين الإدارة الأمريكية وحكومة طرابلس – المعينة من ما يسمى المجتمع الدولي بطريقة ما زالت محل جدل وطني واسع – حول إفراجٍ جزئيٍ عن الأموال الليبية المجمدة في الخارج، والتي تدور حول مبلغ مقداره 30 مليار دولار.

في المفاوضات غير المتكافئة ولا القانونية، والتي عُقدت إحدى جلساتها الأسبوع الماضي في الدوحة! عرضت الحكومة الليبية التنازل عن 10 مليارات دولار مقابل الإفراج عن المبلغ، لكن الطرف الأمريكي طالب بنصف المبلغ (15 مليارًا) مع مطالبات أخرى أكثر سخافة تتعلق بترحيل مهاجرين أجانب إلى أمريكا ومجرمين خطرين مسجونين من ذوي المحكوميات الطويلة من أمريكيين وأجانب إلى ليبيا، وهي خطوةٌ سبق وأن نفذتها الإدارة الأمريكية مع بعض الدول، وخاصة السلفادور، رغم تعارضها مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتحديها لأحكام القضاء الأمريكي الذي رفضها.

هذه الصفقة ليست مجرد استغلالٍ لضعف ليبيا، بل هي جزءٌ من استراتيجية أمريكية أوسع لتحويل الدول الهشّة إلى ساحاتٍ لنهب ثروات الشعوب. فليبيا التي تعاني من أزمة سياسية وأمنية منذ تدخل الناتو فيها عام 2011، أصبحت فريسةً سهلة بسبب غياب مؤسسات دولة قادرة على حماية مواردها والدفاع عن مصالحها.
الحكومة المفروضة التي تفتقر إلى شرعية وطنية بأي قدر، تُظهر استعدادًا لبيع نصف ثروة الشعب الليبي مقابل البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ولشراء شرعيةٍ دوليةٍ وهمية.

لو نُشرت هذه التسريبات سابقًا لما كانت محل تصديق ولا حتى نقاش، لكن نشرها الآن بالطريقة التي ظهرت بها يؤكد أن في الأمر “إنّ” مشددة.

السؤال: ماذا نحن فاعلون؟ وهل في مقدورنا عمليًّا أن نفعل شيئًا لوقف هذا الشق الجديد من المؤامرة على بلادنا!

للأسف، الرئيس ترامب يستطيع أن يفعل ما يريد في منطقتنا عمومًا، وبلادنا خاصة، لعدم وجود قوة حقيقية تستطيع أن تتفوه بكلمة “لا” في وجهه!! فتلك الكلمة تحتاج إلى استعدادات وتضحيات، وقد يُدفع بسببها أثمان قد تكون باهظة. في الوقت الراهن، وحسب المعطيات، القدرة على رفض الرغبات الأمريكية امتلكها فقط اليمنيون الشجعان، الذين أجبروا ترامب على بلع لسانه وسحب تهديداته ووقف عملياته. وبمراجعة التسجيل المرئي لترامب عندما وقف كالطاووس في البيت الأبيض ليقول إن زمن الحوثيين انتهى، وأنه أمر بتدميرهم، ولهجته وطريقة حديثه منذ أيام وهو يعلن وقف العمليات العسكرية في اليمن لأنه تلقى وعدًا من الحوثيين بأنهم لن يهاجموا السفن الأمريكية، وهذا كان موقفهم منذ إطلاق عمليات إسنادهم لغزة، فهم يستهدفون السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إليها فقط دون غيرها.

الحوثيون أعدوا أنفسهم لهذا التحدي ونجحوا فيه.
أما نحن؟ فما زلنا نخوض غمار الزوابع في الفناجين، نتصارع فيما بيننا حول الهوامش، ونترك الموضوع يخوض فيه السفهاء والعملاء والطامعون!

لن أستغرب استيلاء الحكومة الأمريكية على أرصدة الشعب الليبي المجمدة بالخارج مقابل وعود لبعض التافهين بتمكينهم من السلطة! وهذه حقًا قسمة ضيزى!!

ولن يكون موضوع توطين المهاجرين إلى الغرب في ليبيا مجرد حديث في أروقة دوائر الاستخبارات، وأخشى أن يكون زمن الفعل قد ولّى، وننتظر فقط ماذا سيفعل بنا!

زر الذهاب إلى الأعلى