عليَّ وعلى أعدائي
بقلم/ ناجي إبراهيم
يجب أن لا نلقي باللوم على الآخر الذي يستثمر في ضعفنا، وأن لا نعلق مصائبنا على ضعفنا وقوة الآخرين، وكان بالإمكان أن نحول ضعفنا إلى قوة، وأن لا نسمح للآخر بكسرنا ونجعل قوته ترتد عليه، ونحن نملك من المقومات الكثير، لم نُجِد استخدامها فيما يراكم موارد القوة، ويحجز لنا ولشعوبنا مكانا ومكانة بين شعوب وعقارات العالم، وما يعطل هذه الموارد ويحولها إلى خاسرة رخوة تهدد الأمن القومي لأمتنا ويجعل منها مطمعًا للآخر ومغرية للتدخين تحت عناوين مختلفة، غياب المشروع العربي أو حتى القُطري والارتباطات بالمشاريع الخارجية التي تستهدف السيطرة على هذه الموارد من خلال ربطنا بمشاريعهم التي تتعارضمع أبسط مقومات أمننا القومي والوطني.
اليمن لم تكن يومًا تمثل تهديدًا للملاحة البحرية كما يحاول الأمريكي تصويرها لكي ينتزع منها هذا المورد المهم واستخدامه لتوسيع هيمنته العسكرية على طرق التجارية الدولية واستخدامه في صراعه مع قوة أخرى تنافسه على هذه الممرات وعلى التجارة، اليمنيون تفطنوا إلى هذا المورد المهم الذي يشكل مفتاحا مهما في أي مواجهات قادمة ولم تكن المساندة للفلسطينيين إلا واحدة من تلك المواجهات التي وفرتها الجغرافيا وفق المعادلات التي برزت فيها الأدوات الأخرى غير السلاح الذي لا نملك منه ما يكفي لخوض معاركنا المؤجلة وفق ميزان الردع والتفوق التقني الذي يتجه في صالح العدو.
الكيان الصهيوني وبدعم الغرب الاستعماري يقتنص الفرصة واللحظة ويستفيد من الظرف التاريخي والمعطيات التي ما كانت لتتحقق له في أي زمان لتحقيق حلمه في بناء دولة بني إسرائيل من الفرات إلى النيل والتي باتت على مرمى قذيفة من الفرات وعندما يتكئون على ضفافه الغربية ويضعون يدهم على ثرواته سيتوجهون غربا إلى مجمع البحرين ولن يمضوا حقبا عند التقاء رشيد ودمياط وتصبح عاصمة المصريين الجديدة والقديمة في قبضتهم، لم تكن المعطيات الجغرافيا بعيدة عن تفكير الخارج في كل تدخلاته وفي جميع مناطق العالم، وشكلت منطقتنا العربية والشرق الأوسط كما يسمونه هم في استراتيجياتهم السياسية والعسكرية الأمنية مركز الكون وملتقى الطرق من امتلكها كانت له السيطرة على كل العالم، وهذا ما رسخته السياسات البريطانية قديما وتستثمر فيه القوى الإمبريالية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من خلق الثورات والنزاعات التي تبرر لها التدخل والتواجد العسكري الثابت والمتحركة لتبقي قبضتها على هذه الجغرافيا التي مثلت عصب المواصلات في العالم، فليس النفط وحده وليس تعهدهم بحماية دولة الكيان هو ما يجعلهم لا يتخلون بسهولة عن هذا الوجود، وقد يقول قائل هذا حقهم وتلك مصالحهم وأين مصلحتنا نحن الذين وقعنا في دائرة الاستهداف من خلال خلق الثورات ونسج المؤامراتوتحويلنا إلى ساحة مستباحة لتصفية الحسابات وميدان للصراعات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟
القوة في معادلة المصالح لا تحسب بالحديد والبارود وحجم الفواتير التي تنفق على التسليح وإنما تحسب بمقدرتك على تطويع الجغرافيا والاستفادة منها لمراكمة أوراق القوة على طاولة أي حوار قد يسبق أو يلحق حروب النار والبارود، والخسارة ليست دمًا وجثثًا فقط رغم فظاعتها فحسب، ولكنها أيضًا رفع تكلفة هذه المواجهات من حيث الإنفاق المالي، وتعريض اقتصاد صناعة السحر والنفط لخطر يتهدد وجوده ويخلق طوابير من العاطلين سيكونون وقودًا لمعركة في ساحات أخرى قد تقلب السياسات وقد يعقبها هروب كبير كالذي شهدناه في فيتنام وأفغانستان وبدأنا نشهد بداياته في معركة البحر الأحمر مع اليمنيين.
لا يجب أن يفهم من طرحي هذا أننا نهمل أو نقلل من ضرورة الأخذ بالقوة العسكرية من حيث العدد والعديد والمكلفة من الناحية المادية وغير الممكنة من حيث القدرات التقنية في المدى المنظور للحد الذي يكسر حاجز التفوق والميزان مع قوة الغرب الإمبريالي الطامع في جغرافيتنا وثرواتنا، السلاح مهم وما يخدم تفوقنا الجغرافي وما يلائم المواجهات التي تكون تكاليفها باهظة الثمن على القوى الغازية، فمجرد خلق حالة غير آمنة في منطقة الممرات التي تنقل التجارة سيرفع تكاليف النقل مما ينعكس على اقتصاديات الدول التي تهدد منطقتنا ما يجعلها تفكر مليون مرة قبل أن تنهج أي سياسة ستنقلب عليها وبالًا وشرًّا، تحت شعار عليَّ وعلى أعدائي سنخنقهم وسنهزمهم.