مقالات الرأي

رفع الدعم عن المحروقات بين الأهمية الاقتصادية والفساد السياسي

بقلم/ حمودة المختار

تتجاذب فكرة رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا رؤى مختلفة، تصل إلى مرحلة التناقض تارة، وإلى الصراع تارة أخرى. وتصب هذه الرؤى في غير صالح الشرائح الاجتماعية التي تمثل غالبية الشعب، إذا ما استثنينا فئة تمثل طبقة – إن صح التعبير – برزت بعد أحداث 2011، استحوذت وسيطرت ونهبت وتحايلت على مقدرات الدولة، بما في ذلك استغلالها للدعم المقدم للمحروقات وتهريبه والسيطرة عليه على حساب معاناة المواطن.

إن ما تقوم به العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء من تقديم الدعم للسلع الاستهلاكية الضرورية، المتمثلة في الدواء والكهرباء والمحروقات والخدمات التعليمية والصحية، يصب في اتجاه تخفيف الضغط عن الفئات الاجتماعية محدودة الدخل، في شكل سياسات اقتصادية ومالية منظّمة قائمة على أسس علمية، تمنع استغلال هذا الدعم من طرف الطبقة الغنية بمختلف تسمياتها، وذلك بإجراء دراسات مسح اجتماعي تضمن تحديد الفئات محدودة الدخل المستهدفة بهذه السياسات، وتحديد آليات تضمن ذلك كالتأمين الاجتماعي والصحي، وخدمات مجانية في مجال التعليم والصحة، يقابلها فرض ضرائب على ذوي الدخول المرتفعة لتكون دعمًا لميزانيات الدعم المقرّرة.

إن الدعوة لرفع الدعم عن المحروقات من الحكومات القائمة لم تأتِ بناءً على دراسات اقتصادية أجراها خبراء في علم الاقتصاد والاجتماع والمالية، بل هي استجابة لضغوطات صندوق النقد الدولي تحت مسمى “برامج الإصلاح الاقتصادي”، ظاهرها عسل وباطنها سمّ. هي قوالب جامدة تفرضها تلك المؤسسة على الدول النامية دونما مراعاة لطبيعة مجتمعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد استُغلّت ظروف الانقسام السياسي في ليبيا والتنافس على الإنفاق غير المبرر، وانتشار الفساد بشكل علني، وتغوّل الميليشيات المسلحة لتصبح هي الحكومة الفعلية.

إن الاستجابة لتلك الدعوى في ظل ما تعانيه البلاد، وفي غياب سلطة واحدة منتخبة، يُعدّ دفعًا للبلاد في أتون اضطرابات اجتماعية تمسّ كيان المجتمع ككل، الذي يعاني أفراده من ارتفاع مستوى الأسعار وتضخّم فاق التوقعات، وانعدام للثقة بينه وبين الحكومات وكل الأجسام السياسية القائمة. ولعل ما حدث أخيرًا من سرقة واضحة لمنحة الزوجة والأبناء، وقبله رفع الدعم عن السلع الأساسية، خير مثال على انعدام هذه الثقة في أي آليات تقترحها تلك الحكومات.

زر الذهاب إلى الأعلى