تضليل من نقطة الصفر
بقلم/ عفاف الفرجاني
قامت الدنيا في الأوساط الليبية ولم تقعد بعد تسريب صور ومقاطع فيديو للنائب البرلماني المخطوف إبراهيم الدرسي، وهو مقيّد اليدين والعنق بسلاسل حديدية. لبرهة، يأخذك المشهد إلى عصور العبودية والقمع والتعذيب، ظهر الرجل وهو يستجدي القيادة العسكرية في المنطقة الشرقية، المتمثلة في المشير خليفة حفتر وابنه الفريق صدام، بالإفراج عنه، بعد تسميعه كلمات مرصوفة منمقة لا تصدر عن سجينٍ معذّب مقيّد في قبو سجن يشبه كهوف تورا بورا. هذا المشهد يأخذنا إلى حقيقتين لا ثالث لهما: أولاهما، لو كان تحت رحمة من وردت أسماؤهم، فلن يكون الاستجداء بهذه الطريقة التي هي أقرب إلى وثيقة عهد وبيعة، وثانيهما، لو أنه أُجبر على ذلك، لما ظهرت علينا هذه النبرة المتزنة من معتقلٍ صورته أقرب للميت.
عند مشاهدتي للفيديو، لوهلة لم أهتم بالجهة التي اتُّهمت باعتقاله بقدر ما شدني أن أبحث عن هوية من يقف وراء نقل وتسريب الفيديوهات لهذا العمل اللاإنساني. بحثت بدقة من خلال Google Scan الذي أخبرني بدقته المتناهية: “نأسف، عليك بتغيير الصورة، هذه غير متوفرة”. زاد تأكدي بأن هناك لعبة جديدة تُحاك ضد الوطن والقوات المسلحة، عندها قررت، من خلال الفحص الموثوق ومصداقية المصدر الذي قام ببث الفيديوهات والصور، والقنوات المروّجة لها، التحقق من أصالة المحتوى. فسمعة المصدر ضرورة في هذه المسائل الحساسة، وهل شارك سابقًا في حملات تضليل… إلخ.
كل هذا من شأنه أن يصنع فارقًا للخبر، خاصة أن المجني عليه صانع قرار سياسي، ومنتخب بشرعية شعبية ليبية، والجاني جهة يُفترض أنها المسؤولة الوحيدة عن سلامة وأمن الليبيين، والطوق الأخير لوطن غارق في أتون الظلم والفساد.
هنا كانت الصدمة: القناة المروّجة للفيديوهات هي قناة ليبيا الأحرار، والمصدر صحفي إنجليزي!
ولحسن حظي أن ملفات ذاكرتي المطروحة على شاشة عقلي الجاهزة للتصفح والعرض والتحليل لم تتجاوز يومًا ما فعلته الصحافة والإعلام العربي والدولي في أحداث فبراير في ليبيا، منذ أربعة عشر عامًا، وكيف كان تحديدًا دور قناة الأحرار الممولة من قطر، ودور الإعلام الإنجليزي حينها.
هذه المعلومات كفيلة بأن أعرف حقيقة الفيديوهات المسربة. الآن، لم أعد بحاجة للتحقق من سمعة المصدر أو المروج، أو حتى كونه مفبركًا بخاصية الذكاء الاصطناعي أو أصيل المحتوى، ولا مجال للتقصي إن كانت هاتان الوسيلتان قد شاركتا في حملات تضليل سابقة أم لا؛ يكفي أنها قناة الأحرار والصحافة الإنجليزية لتكتمل الصورة لدي.
بعيدًا عن تقنية استبدال الوجه في أي فيديو بتقنية الذكاء الاصطناعي، المعروفة بـFace Swap، وبغضّ النظر عن النص المقدم من الشخص الذي يظهر في الفيديو، سواء أكان مقنعًا أم لا، فإن المقنع الوحيد هو أن أصحاب أكبر كذبة في تاريخ الأعراف الرئاسية والدبلوماسية يعيدون الكرّة، بعد إحراجهم من قبل الليبيين وشرفاء العالم، حينما خرج وزير الخارجية البريطاني أمام العالم ليفجّر قنبلة: هروب معمر القذافي إلى فنزويلا! لتتضح هذه الكذبة بخروج القذافي في خطاب مباشر للشعب الليبي يكذّب فيه دولة بحجم المملكة المتحدة. هذا وحده يجعلني محصّنة من أي هجوم إعلامي لا طائل منه إلا الفتن وخلق البلبلة في الأوساط الاجتماعية.
لم نسلم من المؤامرة حتى في الوقت الذي كانت تلعب فيه ليبيا دور شريك أساسي للغرب في مجابهة تنظيم القاعدة والإرهاب، وفي ملف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وأيضًا دورها في إرساء دعائم السلام العالمي والإقليمي. كل هذا، ومع ذلك، حصل ما حصل في 2011. فما بالك اليوم، والوطن تعمه الفوضى السياسية والأمنية، وفي ظل غياب أمن سيبراني يحمي ويؤمّن الأجهزة والبرمجيات والبيانات من الهجمات الرقمية المعادية، أصبحنا هدفًا سهلًا في المعركة الرقمية. لن يصمد منا إلا العقائدي الوطني المؤمن بأن كل شيء يأتي من خلف البحر هو شرٌّ لنا.