مقالات الرأي

‏ بين التميز والالتزام

بقلم/ المهدي الفهري

التميز أداء خلاق ورؤية لمستقبل يتجدد بالفكر والوعي والإبداع وليس رفاهية أو مجرد ترف فكري عابر، وهو تعهد ومسؤولية وحاجة مُلحة تفرضها معركة القيم في عالم مقلوب وفاقد للقيمة وللتوازن وتقتضيها تحديات العصر وتطلعات المستقبل، إنه خطوة لتعزيز الثقة بالنفس ومعرفة وتقدير الذات وخلق روح من التواضع الإيجابي، وهو أيضًا نمط ثابت من السلوك ووسيلة بديهية من العمل والتفكير وسمة فطرية يمكن صقلها وتنميتها عبر تطوير المهارات وفرصة رائعة لتسويق المواهب والتجارب والخبرات.

ولا يُعد التميز بالضرورة تفوقًا مطلقًا على الغير بل التزامًا وقدرة على أداء الواجبات بإخلاص وتفانٍ وبلا مقابل وتفهم وتحمل للمسؤوليات دون الاستهانة بها أو التهرب منها، وهو دليل على قوة الشخصية ونضج الفكر في وقت يشتد فيه التنافس بين الأمم بكل قوة ويتقدم فيه التطور العلمي بلا نهاية، وتخترق فيه وتيرة المعرفة كل الميادين، وتبرز الحاجة إلى التميز كقيمة أساسية تدفع نحو الابتكار والإجادة والإتقان في مختلف المجالات، وتتعزز فيه القدرة على بناء وصقل الشخصية القادرة على التواصل الواعي وإحياء المبادرات التي تسهم في رفع القيم المعنوية والثقافية والإنسانية لدى كل فرد من أفراد المجتمع، وتظهر الحاجة الماسة لإطلاق برامج ومنصات وطنية شاملة تستهدف إنشاء مراكز بحثية لتجميع الكفاءات وفتح الحواجز بين قطاعات المعرفة المختلفة واستقطاب الكوادر الشابة المثقفة والقادرة على تشكيل أفكار إبداعية مستقلة ومتميزة وغرس القيم الإنسانية العليا في نفوس الأجيال الجديدة لتكون أكثر تأهيلًا وقدرة على خوض وكسب كل الاستحقاقات.

ولا تكتمل معركة القيم والتميز من جانب آخر وعلى المستوى الشخصي والسلوكي إلا باكتمال السمات المميزة للعقل المثقف والحرص على نشر ثقافة الإخاء والتلاقي كقيمة جوهرية قادرة على معالجة قضايا عميقة لا يمكن حلها إلا بروح اللقاء والود والتسامح وهي الوسيلة الأصدق لإنقاذ الإنسان من ذاته ومن أعباء الواقع والتزاماته ومن خلال جهد فردي وجماعي ينطلق نحو السمو والرقي والتفوق، وكم نكون سعداء وأكثر رقيًا وإنسانية حين نرتقي بتميزنا وإنسانيتنا على كل النقائص ونضحي بجهدنا ووقتنا من أجل الآخرين، فالتميز الحقيقي يكمن في تقاسم الأفكار والمشاعر وتبادل رسائل التضامن والانتماء مع من حولنا بما يشعرهم بنوع من التودد والتعاطف والمشاركة والإحساس بالأنس والهدوء والأمان الذي يبعث في نفوسهم وفي محيطهم مزاجًا عامًا من الرضا والطمأنينة وينعكس على جميع مناحي حياتهم بالتكامل والتعاضد والوئام، ويبقى التميز وتحمل المسؤولية والانفتاح على الفكر الجديد والتمسك بالقيم الإنسانية النبيلة هو السبيل الأنجع لبناء مستقبل أفضل بجد وجهد وصمت وتفكير ومهارة وعمل وبثقافة شعارها”دعنا نفكر لنتغير ونتقدم ونتميز كقيمة إنسانية وحضارية في زمن التحديات والرهانات الكبيرة”.

زر الذهاب إلى الأعلى