الكبرياء والداء والدواء
بقلم/ علي أبوقرين
من أساسيات وركائز العلاج الفعال، التواصل الإنساني المهذب والراقي والمحترم معالمريض وذويه، وعدم التمييز والحفاظ على الخصوصية، واحترام قراراته ورغباته وتبسيط الأمور له بالطريقة التي يستوعبها، وشرح التشخيص والعلاج بلغة ولهجة مفهومة وواضحة ومطمئنة، وبدون تخويف وتهويل، وتوفير فحوصات تحافظ على السرية للأمراض الحساسة والتي تشكل وصمة في المجتمع دون ازدراء أو تعالٍ أو تعفف، إن كثيرًا من المرضى تمنعهم كبرياؤهم من طلب المساعدة أو استجداء العلاج والدواء، والمواطن بقدر ما ترهقه الأمراض وعبئها وأعباء العلاج منها، تظل الكرامة والكبرياء أهم من كل شيء، ويرفض التمييز في المعاملة، أو الإذلال والإهمال والتهميش والشعور بالدونية فقط لأنه فقير أو من ذوي الدخل المحدود، أو من الشرائح الضعيفة، أو من سكان مدن وقرى نائية، أو لأنه غير متعلم وليس من النخب، ولا يقبل بوجود صعوبات في الوصول والحصول على خدمات متقدمة كما هي متوفرة للمقتدرين والنافذين، أو يُحرم من الأدوية الحديثة والأصلية والمضمونة والموثوقة، والفحوصات الدورية نظرا للتكلفة العالية، وافتقادها المتعمد والمقصود والممنهج بالمستشفيات والمرافق الصحية الحكومية، ولا يقبل المواطن أن يكون هناك تفاوت في جودة الخدمات الصحية بينه وبين آخرين للأسباب المذكورة، أو لا يتاح له ما يتاح لغيره من له نفوذ أو ثراء العلاج على نفقة الدولة من أبسط الأمراض بمستشفيات متقدمة في الدول الأوربية، وهو والعامة من الأمة من يعانون من أمراض مستعصية ومعقدة ويصعب عليهمالحصول على العلاج المأمون والمأمول في الداخل والخارج، ويكلفهم العلاج مدخراتهم ويزيد عليها الديون للحصول على نتائج صحية سيئة وسلبية ورديئة.
إن الكرامة والكبرياء أكثر وأعلى من القيم الإنسانية والأخلاقية، بل هما أساس جوهري للخدمات الصحية الفعالة والمنصفة، وللأسف الفقراء ومحدودو الدخل وسكان المناطق النائية أقل قدرة على تحمل تكاليف الصحة الوقائية ومنها التغذية الصحية السليمة، والاشتراك في النوادي والصالات الرياضية، وهم أكثر عرضة للأمراض المزمنة، ويتجنبون زيارة الأطباء بالعيادات الخاصة بسبب تكاليف الكشوفات والفحوصات والأدوية مما يزيد كل ذلك في معدلات الأمراض والوفيات بين الفقراء والمهمشين والفئات الهشة وما أكثرهم ويزدادون، وتتحول الفوارق إلى حلقة مفرغة، الفقر يؤدي إلى سوء الصحة التي تؤدي إلى عدم القدرة على العمل والإنتاج الذي يؤدي إلى مزيد من الفقر وهلم، وللأسفأصبح لدينا نظام صحي مجزأ ومفتت وأجسام لا قيمة لها ولا فائدة منها، وكل قوة وميزانية وموارد القطاع تذهب بالكوادر الكفؤة إلى النشاط الخاص، وتحولت الصحة من حق أصيل ورسالة إنسانية نبيلة إلى سلعة استثمارية دنيئة، وأصبحت الخدمات الصحية المتميزة مقصورة على القادرين والنافذين والنخب الطبقية، وتحولت الخدمات الصحية إلى طبقية مقيتة ومقززة تهدد مبدأ المساواة والعدالة الصحية، وتعمق الفجوات بين الفئات المختلفة في المجتمع، وحرمت نسبةً عريضة من السكان من خدمات صحية متميزة حديثة ومتطورة بتقنيات وتكنولوجيا متقدمة وكوادر مؤهلة تأهيلًا عالي المستوى بمرافق ومستشفيات مجهزة وسهلة الوصول إليها، وحرمتهم من الحصول على أدوية أصلية وحديثة ومتطورة.
إن الفوارق المادية والاجتماعية والثقافية والمكانية ليست مجرد تحديات صحية، بل هي انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية وللقانون الصحي وأساس الدساتير، ولهذا ضرورة العمل الجاد على إيجاد نظام صحي قوي وفعال ومنصف يحافظ على كرامة وكبرياء الناس ويعزز التغطية الصحية الشاملة والمنصفة لكل المجتمع بكل المناطق بجودة عالية، وتحسين البنية التحتية الصحية، وتطوير المستشفيات الحكومية وتزويدها بالتقنيات والتكنولوجيا الطبية الحديثة، والتركيز على تطوير التعليم والتدريب الطبي الذي يُمكن العاملين الصحيين من ممارسة وتطبيق العلوم والمعارف الحديثة وفنون التعامل والتواصل مع الناس بإنصاف واحترام وصون للكرامة والكبرياء، وضرورة ربط الترقيات للعاملين الصحيين بمعايير أخلاقية في التعامل مع المرضى بجانب المتطلبات المهنية الأخرى، مع ضرورة وضع سياسات لمكافحة التمييز وفرض قوانين صارمة تجرم التمييز الطبقي في توفير وتقديم الخدمات الصحية، وأن تكون بعدالة وإنصاف ومساواة للفقير والوزير والغني والفقير، والصغير والكبير والرجل والمرأة، دون تمييز، تقدم لهم جميعًا خدمات بنفس القدر والقدرة والإمكانات والجودة في المدن والقرى والداخل كما في الخارج.
إن تحقيق العدالة الصحية يتطلب رؤية متكاملة وأن تدمج السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية، مع وضع كرامة وكبرياء وحقوق الإنسان في صلب الأولويات، وضمان الاستجابة العاجلة لاحتياجات المجتمع الصحية والخدمات المتكاملة دون إبطاء أو تأخير، وتوفير منصات للتواصل والاستفسارات والشكاوى والاستشارات الطبية، وطلب الإسعاف وإيجاد آليات عملية وعلمية وإجرائية سريعة للاستجابة والاستدعاء ونقل المرضى وترتيب الإحالة والإدخال بالمستشفيات والمتابعة المستمرة من الشكوى للتعافي، وتجريم التقصير وعدم توفير الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية وتوفير الدواء الأصلي الفعال والآمن، وخدمات نقل الدم، والمتابعة المنزلية لمن يحتاجها، على الدولة والقطاع الصحي والقطاعات الأخرى توفير التغطيات اللازمة الصحية والاجتماعية والمالية للمريض ومن يعول أو من يعوله.
الصحة حق، والكرامة والكبرياء والعدالة والإنصاف أساس إنساني وديني وأخلاقي.