مقالات الرأي

التحالف الرباعي بين الدستور المفخخ والانقلاب الناعم

بقلم/ محمد جبريل العرفي

وضعت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها خطة للتمكين، سقفها تمرير دستور “تورا بورا” لتجسيد ولاية الفقيه، والبديل انتخابات برلمانية فقط، لسهولة السيطرة على 200 عضو عبر شراء الذمم أو الترهيب، لانتخاب رئيس بصلاحيات بروتوكولية من داخل البرلمان، والخيار الثالث: استمرار واستثمار حالة الإنهاك الشعبي، ليرضخ الناس لأي حل يُطرح.

فلنبدأ بتجميع “الفسيفساء العشرية” لأحداث تبدو متفرقة، لكنها صُنعت أو استُثمرت كخيوط لنسيج واحد، تقوده غرفة تخطيط موحَّدة، لتحقيق هدف واحد.

  • قرب إعلان نتائج اللجنة الاستشارية، وما تحمله من مقترحات لتشكيل حكومة جديدة.
  • التفاهم الأمريكي–الروسي حول عودة ليبيا إلى سياسة ما قبل 2011، أي (دولة محايدة بتسليح روسي ونفط أمريكي)، وتحركات فريق مسعد بولس نحو حكومة جديدة، وتوحيد المؤسسة العسكرية، ومطالبة القوات التركية بمغادرة ليبيا.
  • التضييق على جماعة الإخوان، مما يحول ليبيا كملاذٍ أخير.
  • إحياء فكرة الاستفتاء الإلكتروني، ومنح المفوضية مهلة 30 يومًا للاستفتاء على دستور “تورا بورا”.
  • صحوة الدبيبة المفاجئة، وإعلانه عن إجراءات لمكافحة الفساد، في محاولة لكسب التأييد الشعبي، وتقديم نفسه للخارج كبديل “قوي”.
  • شروع المنفي في إصدار مراسيم بشكل منفرد تتجاوز صلاحياته القانونية. المنفي حصة المقاتلة في جنيف؛ فقد كان مرشحًا عن حزب المقاتلة (الوطن)، وعضوًا في كتلة “الوفاء” التي كان يترأسها أحد أعضاء المقاتلة.
  • مطالبة المنفي لمجلس النواب بعرض القوانين عليه قبل نشرها.
  • انتقال ظاهرة اغتيال ضباط الجيش إلى المنطقة الغربية، وهو نهج معروف للتيار العدمي.
  • مقطع الوشاية الذي يدّعي صاحبه حضوره اجتماعًا مع صهاينة، وما تضمّنه من إطراء مدسوس، يهدف إلى خلق حالة من التشويه والتضليل، واستدعاء ردود الفعل ضد المنقوش.
  • ظهور “المغيّب” إبراهيم الدرسي في مقطع مرئي بشكل “مذل”، لاستغلال الواقعة في إذكاء شرارة شغب تمس الحاضنة الشعبية، وتشويه الصورة دوليًا.

هذه الأحداث وظّفها التحالف الرباعي؛ المكوّن من: حكومة النهابين ومنظومتها الإعلامية، والمقاتلة ممثلة بالمنفي، وجماعة الإخوان بقيادة المفتي، وانضم إليهم الإعلام الإلكتروني للمشروع الوهمي؛ من أجل تمكين الإسلامويين من حكم ليبيا كاملة، وتحويلها إلى شوكة في خاصرة مصر.

الأخطر هو مراسيم المنفي للسيطرة على التشريع، لا سيما أن الإخوان والمقاتلة يدركون أن الليبيين سيلفظونهم، كما حدث في الانتخابات الثلاثة السابقة. لذا، فإن تشكيل مفوضية الاستفتاء الإلكتروني إقصاءً للإرادة الشعبية، بخلق شرعية رقمية بدلًا من شرعية صندوق الانتخاب، في محاولة لإعادة التموضع، واستعمالها كسيفٍ خفي في يد التحالف الرباعي، لحلّ مجلس النواب، وإعلان الطوارئ، وتمرير دستور “تورا بورا”، واستبدال القوات المسلحة بحرس وطني، وغيرها من إجراءات تمكين التيار العدمي، في مراوغة مغلّفة بشعارات “الحداثة” و”التقنية”، وفي جعبة المنفي 12 مرسومًا تحت عنوان «مراسيم الإصلاح الشامل»، لكنها لا تتجاوز كونها سلوكًا عبثيًا تشويشيًا، يفتقر إلى القوة الجبرية، والمشروعية القانونية.

لا يمكن رفض أدوات التقنية الحديثة في إدارة الشأن العام، باعتبارها أكثر وصولًا للمواطنين، لكن استخدامها دون رقابة ولا توافق وطني، يُفرغها من مضمونها. فالواقع الليبي لا يوفّر البنية التحتية، ولا الثقة العامة، ولا الضمانات السيبرانية، التي تجعل من الاستفتاء الإلكتروني بديلًا نزيهًا وآمنًا. بل على العكس، يفتح الباب أمام تهميش أوسع للإرادة الشعبية، وتوجيه النتائج بما يخدم الطرف المتحكّم في المنصة الرقمية. وهكذا، يصبح هذا الخيار أداة ديكتاتورية، لا بديلًا ديمقراطيًا حقيقيًا.

أما كتاب المنفي الصادر من مشفاه في ألمانيا بخصوص مراجعة صياغة ونشر القوانين، ومطالبته بإرسال القوانين الصادرة منذ 15 مارس 2021 (تاريخ منحه الثقة من مجلس النواب) قبل نشرها في الجريدة الرسمية، فيُعد تجاوزًا لصلاحيات مجلس النواب، واغتصابًا لصفة رئيس الدولة، التي لا تُمنح إلا للمجلس الرئاسي (مجتمعًا). والمفارقة تكمن في التناقضات القانونية والتاريخية التي تضمّنها كتابه.

أحال المنفي ثلاثة مراسيم إلى حكومة الدبيبة لتعميمها، وهي: مرسوم وقف العمل بالقانون رقم 5 لسنة 2023 بإنشاء المحكمة الدستورية، ومرسوم انتخاب المؤتمر العام للمصالحة بعضو عن كل بلدية، ومرسوم تفعيل مفوضية الاستفتاء برئاسة عثمان القاجيجي وعضوية 11 شخصًا، وبدء أعمالها بمراجعة القوانين والتشريعات بأثر رجعي.

وقد وصف اللافي (عضو المجلس الرئاسي) هذه المراسيم بالقرارات الأحادية التي لا تمثل الرئاسي، بينما وصفها رئيس مجلس النواب “بأنها والعدم سواء، وتشكل تغولًا على السلطة التشريعية”. أما الدبيبة فقد وصفها بأنها “خطوة نحو استعادة قوة ليبيا ووحدتها”.

الحملة الإعلامية الممنهجة والمتزامنة كانت تهدف إلى صناعة غضب شعبي، وإشعال شرارة شغب. لكنها فشلت هذه المرة، فقد كانت رسالة الثقة برحلة موسكو واضحة، ومن الدروس المستفادة: إدراك أن الإشاعة كغول يمشي على قدمين هما الغموض والأهمية؛ إذ لا شك أن تغييب شخصية عامة يعدّ أمرًا مهما، مما يتطلب قطع الرجل الأخرى للإشاعة، فـ”الجهل سينتهي عندما يُقدَّم كل شيء على حقيقته”. ولا بد من كسب قلوب الناس بالحسنى والعدل، وتشديد إجراءات حماية الشخصيات العامة من الاغتيال المعنوي، والانتباه لسلوك “فئران السفينة”، والاعتماد على شركاء المصير؛ أي أولئك الذين يرتبط وجودهم بنجاح المشروع، لا على النفعيين الانتهازيين متعددي الولاءات، وإن إدراك هذه الصورة الكاملة يُفشل أي مشروع يسعى إلى تكرار مآسي الماضي تحت عناوين جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى