ندوة سياسية بعنوان “الطرق الإستيطانية في الضفة الغربية .. بنية تحتية لفرض الضم”
البيرة – فلسطين – الموقف الليبي
خلصت ندوة سياسية إلى تصعيد حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو وحلفائه من اتباع الصهيونية الدينية عمليات الإستيطان بالضفة وما يرافقها من ممارسات عسكرية وقضائية وإدارية تهدف إلى فرض حقائق على الأرض تجعل الضم أمرا واقعا وحل الدولتين بالمفاوضات الذي يرفضه الفاشيون الجدد، أمر صعبا أن لم يكن مستحيلا إلى جانب إنهاء وتفكيك السلطة الوطنية.
جاءت الاستخلاصات في سياق ندوة متخصصة بعنوان: “الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية .. بنية تحتية لفرض الضم”. نظمتها دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني، في مقر منظمة التحرير بمدينة البيرة، بحضور عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى دولة فلسطين وممثلين عن مؤسسات محلية ودولية وعدد من السياسيين والخبراء والأكاديميين والباحثين المتابعين للاستيطان وتداعياته.
وحاضر في الندوة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير د. أحمد مجدلاني، والناشطة السياسية المقدسية سلفيا أبو لبن، والمسؤول في دائرة شؤون المفاوضات فؤاد حلاق، وقدم لها وادارها مدير عام دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني، محمد العطاونة، فيما شهدت وقائعها نقاشات ومداخلات من قبل الحضور الى جانب أسئلة واقتراحات تركزت حول سبل التصدي للهجمة الاستيطانية واهدافها.
وركزت الندوة على عدة محاور أبرزها، الخطوات الإسرائيلية لضم الضفة، مخطط “نسيج الحياة” الاستيطاني كأداة تغيير للديمغرافية الفلسطينية وتمهد للضم، وتداعيات السياسات الاستيطانية على مستقبل الدولة الفلسطينية.
ورأى المشاركون أن القضية والحالة الفلسطينية، اليوم، أمام مخطط ذو أبعاد استراتيجية ما يتطلب الانطلاق من عنوان أين نحن؟ وكيف علينا التصدي لكل هذه المخططات؟ في ظل عاصفة عاتية يمر بها الإقليم من متغيرات بالتحالفات وإعادة التموضع وترتيب الأوضاع.
كما توقفت الندوة أمام الأهداف التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقها في الضفة؟ وخاصة عبر بقائه داخل مخيمات جنين وطولكرم إلى إعادة فرض الحكم العسكري وسعيه الى إنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية؟ وفي المقابل تناولت الخيارات التي تمتلكها القيادة الفلسطينية لمواجهة الخطط الإسرائيلية؟
ولفت العطاونة إلى أن الندوة تحت مظلة البيت الفلسطيني الجامع منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في ظل أوضاع سياسية معقدة تعيشها القضية الفلسطينية والمنطقة والإقليم عموماً.
وفي ظل حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تمارسه ترسانة الحرب الفاشية الصهيونية تعدت ذلك إلى سياسة التجويع. بما لا يخالف ويتعارض مع القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني مؤكدا أن ما يجري بأبعاده القيمية والأخلاقية والإنسانية، تعدى الإبادة والتجويع، وذلك في ظل صمت عربي ودولي رسمي.
وأضاف: تتعرض غزة بحجرها وإنسانها إلى الإبادة والتجويع، وفي ذات الوقت تعيش الضفة الغربية بعين العاصفة، من خلال الإجراءات العنصرية والفاشية من استهداف لمخيمات شمال الضفة وتهجير السكان، وتقطيع أوصال المدن عن بعضها عبر بوابات زاد عددها عن 870 بوابة الكترونية، إلى مصادرة الأراضي وشق الطرق الالتفافية إلى توسيع المستوطنات وشرعنتها، واقامة مزيداً منها.
ورأى أن الضفة بشمالها وجنوبها ووسطها في عين العاصفة كمقدمة نحو التهجير والتطويع، وأن ما تواجهه القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين ودونها لن يكون صلح وسلام لا يقل خطورة اتجاه سكانها وأهلها المقدسيين وحتى حجرها ومقدساتها المسيحية والإسلامية، فالمضمون واحد بغزة والضفة والقدس ،والتي تتعرض للإبادة الجماعية والتطهير العرقي بقفازات ناعمة.
وفي مداخلتها، سيلفيا أبو لبن، الخطوات الإسرائيلية لضم الضفة والتي قالت انها بدأت تظهر منذ صعود حكومة إئتلاف اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم بحقائق ومعطيات في غاية الخطورة تشير إلى وصول مشاريع الاستيلاء الاستعماري والضم إلى أقصى مراحلها، المتمثلة في تصاعد عمليات التهجير القسري بشكل لافت، خاصة للتجمعات البدوية في مناطق السفوح الشرقية، بالإضافة إلى تصاعد الاستيلاء على الأراضي بوتيرة هي الأعلى منذ عقود، وزيادة إقامة البؤر الاستعمارية الرعوية، فضلا عن تصاعد اعتداءات المستعمرين.
وأضافت حكومة الاحتلال خطوات غير مسبوقة مؤخرا، في مجال إحكام السيطرة الاستعمارية على الضفة تمهيدا لضمها الكامل، عبر تغيير البنية الهيكلية لما تسمى “الإدارة المدنية”، بتحويل المسؤوليات فيها من العسكريين إلى مدراء مدنيين، إذ تم تعيين المستعمر المتطرف هيليل روث نائبا لرئيس “الإدارة المدنية” فيما شرعت سلطات الاحتلال بعد ذلك بسلسلة انتهاكات متسارعة على الأرض لخلق وقائع يصعب تغييرها.
ورأت أبو لبن، أن المصالح الفلسطينية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة، تتراجع يوميًا مع استمرار إسرائيل بلا هوادة في سياساتها الاستيطانية وضم الأراضي.
واليوم، يعيش حوالي 740 ألف مستوطن إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية، بما في ذلك 240 ألفًا في القدس المحتلة بحيث قامت إسرائيل بتسريع بناء المستوطنات لتعزيز مصالحها وتنفيذ خطط الضم.
في حين وصف وزير المالية الصهيوني اليميني المتطرف سموتريتش بعبارات صريحة جهوده النشطة لضم المنطقة (ج) إلى إسرائيل، ما يعرض للخطر 60 بالمئة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تخضع حاليًا للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة.
وقالت إن إنشاء عدد قياسي من البؤر الاستيطانية غير القانونية، الأداة المناسبة لتحقيق خطط الضم التي كان سموتريتش يخطط لها، بالإضافة إلى الزيادة الحادة في عنف المستوطنين وإغلاق الطرق والطرق السريعة، والتدابير غير المسبوقة لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية وتمويلها فيما تعمل الحكومة الإسرائيلية على استكمال البنية التحتية الإدارية لضم الضفة الغربية من خلال نقل الصلاحيات من الإدارة المدنية، وهي هيئة عسكرية، إلى إدارة المستوطنات التي تم إنشاؤها حديثًا، وهي إدارة مدنية وسياسية تحت السلطة والسيطرة المباشرة للوزير المتطرف سموتريتش.
كما صممت إسرائيل مجموعة جديدة من التدابير لتشديد سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعزيز ضم المنطقة (ج) خلال العام الجاري2025. عبر استكمال نقل السلطة إلى إدارة تحت قيادة سموتريتش، وتعيين “نائب مدني” حصل على صلاحيات رئيس الإدارة المدنية فيما يتعلق بالمستوطنات.
وإنشاء “مسار التفافي للشرعية” لتمويل وتقديم الخدمات لـ63 بؤرة استيطانية وتخصيص 85 مليون شيكل لبناء مكونات أمنية وشرعنة البؤر الاستيطانية الزراعية، وإصلاح نظام إنفاذ القانون ضد البناء الفلسطيني، وإعلان حوالي 24193 دونمًا “أراضي دولة”، والترويج بانتظام للخطط في المستوطنات.
وتخصيص مليار شيكل لتغطية احتياجات الأمن في المستوطنات في عامي 2024-2025، و 7 مليارات شيكل لطرق المستوطنين. وتحسين الخدمات المقدمة للمستوطنين من خلال الوزارات الحكومية، واستكمال تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين من خلال الأوامر العسكرية.
وشددت على أن البناء الحالي والمستقبلي للمستوطنات وخطط ضمها من شأنه أن يقلل من الخيارات المتاحة لحل الدولتين عن طريق التفاوض. ولا يمكن إنقاذ الخيارات المتاحة لتحقيق حل دائم إلا إذا فرض المجتمع الدولي على إسرائيل تجميداً كاملاً للاستيطان الذي من شأنه أن يحافظ على إمكانية إجراء مفاوضات جادة.
وعرض فؤاد حلاق من وحدة دعم المفاوضات في مداخلته والتي تناول فيها بالأرقام واقع الاستيطان المتسارع في الضفة واثره والهدف منه. مؤكدا بدوره الى ان المخططات التي تدفع بها حكومة المتطرفين بزعامة نتنياهو تهدف الى منع إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا.
ورأى على ضوء المتابعات والدارسات التي تقوم بها الدائرة ان 53% فقط من مساحة الضفة ستكون خارج سيطرة الاحتلال وفق اكثر الأرقام تفاؤلا، فيما تواصل المشاريع وبما فيها المحاور والشوارع والانفاق وخطوط القطار الخفيف في قضم مزيد من المساحات ومفاقمة الوضع على الأرض.
ورأى أن المشروع الذي اطلقت عليه حكومة الاحتلال أسم “نسيج الحياة” هو في الواقع طريق عنصري يعزز الابرتهايد ويفصل الطرق المخصصة للفلسطينيين عن تلك التي يستخدمها المستوطنون كما يعزز فصل القدس وجنوب الضفة عن شمالها و هو عمليا مشروع لتقييد وقتل الحقوق والتطلعات وحياة الفلسطينيين فوق ترابهم الوطني والتحكم في قدرتهم على النقل والتنقل الحر والأمن.
وفي تناوله لتداعيات السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية، على مستقبل الدولة الفلسطينية، توقف د. احمد مجدلاني، أمام مفهوم الاستيطان اليهودي في فلسطين لافتا الى ان عملية الاستيطان بدأت أواخر القرن التاسع عشر، حيث شكّل هذا الاستيطان آلية التطبيق العملي للصهيونية. وتحوّل، لاحقاً، إلى استراتيجية لإحياء وجود الشعب اليهودي بمفهومه الجديد كحركة قومية – الحركة الصهيونية – في الحيز الجغرافي الذي تدّعي هذه الحركة أن لليهود ارتباطاً به وحقاً تاريخياً فيه– وهو فلسطين.
وأضاف: الاستيطان اليهودي في فلسطين هو عملياً، أحد نماذج الاستعمار، على الرغم من اختلاف حيثياته ومسبباته ودوافعه وانعكاساته. وعلى الرغم من أن يهوداً سكنوا في المدن التاريخية في فلسطين قبل ذلك، فإن دوافع سكنهم لم تكن استعمارية إحلالية.
وقال د. مجدلاني، مفهوم الاستيطان هو، استراتيجيا لاستمرار إنجاز رؤية إحياء قومي وديني وجغرافي للشعب اليهودي في فلسطين كإقليم يدّعي أن لهم حقاً تاريخياً موروثاً فيه. وللسيطرة على الموارد وللتأثير الأيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي في الحيز المحيط.
واستعرض د. مجدلاني، السياسات الاستيطانية في الضفة حيث تشهد الاطماع الاستيطانية تسارعًا غير مسبوق، ضمن سياسة ممنهجة قديمة تستهدف فرض واقع جديد على الأرض، مشددا على هذه المشاريع ليست عشوائية، بل تأتي في سياق مخطط استراتيجي طويل الأمد للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ورأى أن أبرز ملامح هذه السياسة يتمثل في إنشاء شبكة من الطرق الالتفافية الاستيطانية التي تعزل المدن والبلدات الفلسطينية، وتوسيع البؤر الاستيطانية وتحويل مساحات واسعة من الأراضي إلى مراعٍ تخدم التوسع الاستيطاني، مع تسريع وتيرة المصادقة على مشاريع استيطانية جديدة، مستغلين تغيرات إدارية داخل حكومة الاحتلال تتيح تنفيذ المخططات دون الحاجة إلى قرارات سياسية إضافية.
وتابع أن هذه الممارسات تشكل جزءًا من مشروع استيطاني شامل يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، ويشمل ذلك تهجير التجمعات البدوية، وهدم المنازل الفلسطينية، وفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين، ما يعكس تصعيدًا خطيرًا يهدد بمحو فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
إن الضم الزاحف الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من مخطط استيطاني طويل الأمد بدأ منذ احتلال عام 1967، ويستمر عبر مشاريع متعاقبة تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ورأى أن الهدف النهائي هو السيطرة على غالبية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وما عليها من موارد، ونقل ملكيتها واستغلالها بشكل حصري للمستوطنين اليهود والسيطرة على خزانات المياه الجوفية الرئيسية مع سياسات عنصرية جائرة بحق الموارد المائية التي تستخدم بشكل حصري وعنصري للمستوطنين اليهود وتصحير الأرض الفلسطينية، كمقدمة للسيطرة عليها بحجة أنها غير مزروعة، أو متروكة. وتخريب قطاع الصناعة الفلسطينية، وبنيتها التحتية، بل ومنافستها عبر إقامة مناطق صناعة في المستوطنات، وإعطائها أفضلية قصوى،وتدمير البيئة الفلسطينية، مثل استنزاف المياه اوتلويث الهواء ومياه الشرب، وإلقاء المياه العادمة على تجمعات الفلسطينيين، وكذلك النفايات المشعة والطبية، أكانت سائلة أم صلبة والنفايات الصناعية من المواد الكيماوية السامة وغيرها، واستخدام الأراضي المحتلة من قبل سلطات الاحتلال لإلقاء ودفن هذه المخلفات، وهو ما أحدث الكثير من الامراض الخطرة.
وقال: أدت أعمال الإستيطان والاحتلال وسياسة هدم البيوت وسحب الهويات، والإغلاق العسكري والحواجز والطرق الالتفافية وسياسات التطهير العرقي والفصل العنصري الى التحكم الصارم في حركة الفلسطينيين، ومنع التواصل بينهم، وخلخلة وتدمير حياتهم الاجتماعية فيما مثلت المستوطنات قواعد عسكرية وأمنية متقدمة لتنفيذ سياسات الاحتلال بهدف فرض السيطرة، وهو ما يفرغ أي سلطة (أو دولة) فلسطينية من مضمونها.
وشدد مجدلاني والعطاونة على أن هذه الندوة هي باكورة لسلسلة من الفعاليات المتخصصة تعتزم الدائرة تنظيمها هذا العام بمشاركة سياسيين وأكاديميين وباحثين ومهتمين، لإجلاء حقيقة الوضع وبلورة توصيات ومقترحات من شانها تعزيز الموقف الوطني وتوضيحه على مختلف ورفع توصيات بشأنها الى صناع القرار.