إصلاح الدعم في ليبيا بين ضرورة اقتصادية وعدالة اجتماعية

بقلم/ عثمان الدعيكي
تواجه ليبيا تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة ارتفاع فاتورة الدعم الحكومي، خاصة في مجالات الوقود والكهرباء والسلع التموينية والأدوية. وتُقدَّر كلفة هذا الدعم بما يتجاوز 20 مليار دينار سنويًّا، أي ما يعادل نحو ربع إجمالي الإنفاق العام، ما يؤدي إلى تضخم متزايد في الإنفاق الحكومي ويضعف قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو قطاعات إنتاجية وتنموية كالصحة والتعليم والبنية التحتية. يعود ذلك إلى غياب آليات منظمة وفعَّالة في إدارة الدعم، حيث تُقدَّم هذه المساعدات بشكل شامل وغير موجه، ما يجعل فئات غير محتاجة تستفيد منه، في حين لا يصل بشكل كافٍ إلى الفئات الأكثر فقرًا.
وتؤدي سياسة الدعم غير المنظم إلى تشوُّه في الأسعار المحلية، خاصة أسعار الطاقة، ما يشجع على تهريب الوقود والسلع إلى دول الجوار مستفيدين من فارق الأسعار، ويزيد من حجم الفساد وسوء التوزيع داخل السوق الليبي. كما أن اعتماد الدولة على عائدات النفط كمصدر وحيد لتمويل هذا الدعم يجعل الميزانية عرضة للاضطراب في حال انخفاض أسعار النفط أو تراجع الإنتاج.
في حال الاتجاه نحو رفع أو تقليص الدعم، تظهر آثار اقتصادية واجتماعية تتطلب إدارة حذرة، حيث سيؤدي رفع الدعم بشكل مفاجئ إلى ارتفاع في أسعار السلع والخدمات وانخفاض في القوة الشرائية، خاصة للفئات محدودة الدخل. وهو ما يتطلب وجود سياسات بديلة لتخفيف الأثر، كبرامج التحويلات النقدية المباشرة أو الدعم الذكي المستند إلى قواعد بيانات دقيقة تستهدف الشرائح الأكثر فقرًا واحتياجًا.
رغم صعوبة الوضع السياسي والمؤسسي، فهناك فرص لتطبيق إصلاحات تدريجية في نظام الدعم إذا توافرت الإرادة السياسية، وجرى التعاون مع المؤسسات الدولية للاستفادة من خبراتها الفنية. وتُظهر التجارب الدولية أن الانتقال من الدعم العيني إلى النقدي ممكن وفعَّال إذا ما تم تنفيذه تدريجيًّا وبصورة شفافة. فقد نجحت دول مثل مصر والمغرب في تقليص دعم الطاقة وتوجيه الدعم النقدي للفئات المستحقة، كما اعتمدت إيران سياسة التحويلات النقدية عند تقليص دعم الوقود رغم بعض التحديات التي واجهتها لاحقًا.
لذلك فإن أحد الخيارات المطروحة في ليبيا هو البدء بإنشاء منظومة موحدة لتسجيل المواطنين، وربطها ببرامج التحويلات النقدية التي تضمن عدم تضرر الفئات الضعيفة. يمكن أن تبدأ الدولة بتقليص الدعم على بعض السلع تدريجيًّا، مع تعويض مباشر للمواطنين المتأثرين، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي من خلال دعم التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
إن نحو 40% من الدعم المقدم حاليًا لا يصل إلى مستحقيه الحقيقيين، بل يُهدر عبر التهريب أو الاستفادة غير العادلة، بينما يعاني نحو 20% إلى 25% من السكان من الفقر أو الهشاشة الاقتصادية. إصلاح نظام الدعم في ليبيا لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية لضمان استدامة المالية العامة، وتقليل الهدر، وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الوطنية.