مقالات الرأي

الأمراض السرطانية: الوقاية والعلاج

بقلم/ د. علي المبروك أبوقرين

من التحديات الصحية الكبرى التي تواجه النظام الصحي، الازدياد في انتشار الأمراض السرطانية سنويًا، والتنوع في أنواع الأورام، والتغير في الفئات العمرية، نتيجة لأنماط الحياة غير الصحية، والتعرض للملوثات البيئية، والتغيرات الغذائية، وكذلك التقدم التقني والتكنولوجي الطبي.

الوقاية

بالإمكان الوقاية من الإصابة بمعظم الأورام المعروفة باتباع نمط حياة صحي يعتمد على التغذية السليمة والمتوازنة، وممارسة النشاط البدني، والحفاظ على الوزن الصحي، والابتعاد عن التدخين والكحول، وعدم التعرض لأشعة الشمس الضارة، وإجراء الفحوصات الدورية والكشف المبكر الذي يرفع فرص التعافي إلى أكثر من 90% في بعض الأورام، مع الوقاية التشخيصية الدقيقة بالتحليل الجيني وتحديد الطفرات الوراثية التي ترفع خطر الإصابة.

كما يجب توجيه برامج وقائية مخصصة لكل فرد بناءً على التكوين الجيني ونمط الحياة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالسرطان، وتطوير برامج ذكية توصي بخطوات وقائية فردية في مراكز صحية مجهزة ومتطورة، وفق أحدث المعايير والمواصفات، وبروتوكولات متقدمة ومعتمدة للفحوصات حسب الفئة العمرية ونوع الورم، تتبع لخدمات الرعاية الصحية الأولية المتكاملة، والمزودة بأمهر الأطباء والتمريض التخصصي والفنيين المؤهلين، وبالإدارة الصحية الإلكترونية المرقمنة.

وتبرز أهمية أخذ اللقاحات مثل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، ولقاح التهاب الكبد الوبائي (B)، واللقاحات الواعدة ضد سرطان البنكرياس وسرطان الجلد (الأورام الميلانينية)، بالإضافة إلى التوعية المجتمعية بمخاطر السرطان، وتبني سلوكيات وقائية، وتنفيذ حملات وطنية تثقيفية يشارك فيها أخصائيو الصحة العامة، والتغذية، والصحة النفسية، والتمريض، لبناء ثقافة وقائية تخفض من معدلات الإصابة، إلى جانب فرض إجراءات قانونية لمنع التدخين في الأماكن العامة وتنظيم التجارة والتداول للمواد الضارة بالصحة والبيئة.

التشخيص

تشخيص الأمراض السرطانية يخضع لخطط وبرامج وبروتوكولات علمية حسب الحالة وظروفها الصحية، والفئة العمرية، ونوع الورم ومكانه. وهو مرحلة مكملة لبرامج الوقاية والكشف المبكر والفحوصات الجينية وغيرها، حيث يكون أطباء الأورام المتخصصون مسؤولين عن وضع الخطط التشخيصية.

تشمل هذه الخطط الوسائل المخبرية الاعتيادية، والأشعة التشخيصية مثل: الأشعة السينية، والموجات فوق الصوتية، والماموغراف، والأشعة المقطعية، والرنين المغناطيسي، والمسح الذري. كما يشمل التشخيص بالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات السريرية وصور الأشعة، والتنبؤ بتطور الورم، بالإضافة إلى التشخيص بالخزعة السائلة للكشف عن الحمض النووي للأورام (ctDNA)، والتي تساهم في الكشف المبكر، ومراقبة الاستجابة للعلاج، ورصد الانتكاسات.

ويُضاف إلى ذلك التصوير الجزيئي (PET-CT، PET-MRI) الذي يكشف عن تفاصيل دقيقة للتغييرات الخلوية والتمثيل الغذائي للورم، مع اختبارات الجينوم الكامل (الطب الشخصي) لتحليل الجينات المرتبطة بالسرطان لاختيار العلاج الأنسب لكل حالة.

العلاج

تتنوع العلاجات حسب الفئة العمرية، ونوع الورم، ودرجته، ومكانه، وتأثيره الجسدي والنفسي. ويتم اختيار العلاج وفق خطة مثالية متوازنة من فريق علاجي متعدد التخصصات (أورام، جراحة، أشعة، مختبرات، صيدلة سريرية، تغذية، دعم نفسي، تأهيل)، ويُعد التنسيق بين المختصين أمرًا حيويًا لتقليل تكرار الفحوصات، ومنع التعارض في العلاجات، وتسريع التدخلات العلاجية، وزيادة فرص الشفاء.

تشمل العلاجات الحديثة:

العلاج الكيماوي.

العلاج المناعي الذي يحفز الجهاز المناعي لمحاربة الخلايا السرطانية.

مثبطات نقاط التفتيش المناعية.

العلاج الموجّه بأدوية تستهدف طفرات معينة.

العلاج الجيني لتصحيح الطفرات الوراثية المسببة للسرطان.

العلاج بالخلايا المناعية المعدلة (الخلايا التائية).

العلاج الإشعاعي، سواء التقليدي أو الموجه بالروبوت (مثل: سايبر نايف، جاما نايف، والبروتون).

الأشعة التداخلية التي تُستخدم في التشخيص والعلاج.

وقد أسهمت العلاجات المناعية والموجهة في تحقيق نتائج علاجية مرتفعة، كما ساهمت الخزعة السائلة وتحليل الجينوم في تصميم علاجات شخصية دقيقة لكل مريض حسب نوع الورم.

كما يجب الاهتمام برحلة العلاج وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضمان الالتزام بالخطة العلاجية، وتحقيق التعافي، ومنع الانتكاسات، ووضع خطط متابعة دقيقة لاكتشاف العودة المحتملة للمرض، ودعم الأبحاث والتجارب السريرية لتطوير العلاجات.

ولن تتحقق العدالة وتكافؤ الفرص في العلاج إلا عبر احتكار الدولة وسلطة الصحة لخدمات الأورام، ووضع معايير وطنية وبروتوكولات موحدة مبنية على الأدلة العلمية، تقلل من الأخطاء، وتحقق نتائج أفضل.

تقع على عاتق الدولة مسؤولية توفير البنية التحتية المتكاملة، والتجهيزات الطبية الحديثة، والكوادر المتخصصة من أمهر الأطباء، وجراحي الأورام المعتمدين من مراكز عالمية، والصيدلة السريرية، وأطباء الأشعة، والعلاج النفسي، والطب النووي، والفيزيائيين، وخبراء المختبرات والباثولوجي، وأخصائيي الجينات، وتمريض الأورام، والفنيين، والتغذية، والعلاج الطبيعي، والرعاية التلطيفية، والرعاية المنزلية.

ويجب أن تحتكر الدولة توفير الأدوية الأصلية والمستلزمات الحديثة، ومنع التلاعب بها، وحماية المرضى من الاستغلال الطبي والمالي، كما تتحمل مسؤولية بناء قواعد بيانات وطنية دقيقة، تتطلب رقمنة النظام الصحي، والسجلات الإلكترونية، وإعادة بناء النظام على مفاهيم “الصحة الواحدة”، والخدمات الجامعة، والطب الشخصي.

كما يجب إعداد خارطة طريق ثلاثية للأمراض السرطانية (جينية، ديموغرافية، جغرافية)، لتمكين الوقاية الموجهة للأفراد المعرضين وراثيًا، ودعم الطب الشخصي، وتسهيل الأبحاث، ورصد التوزيع الجغرافي للحالات، وتحديد البؤر الساخنة، وربطها بالعوامل البيئية وأنماط الحياة، بما يسمح بتوفير الخدمات حسب الحاجة، ودعم التوعية، وتحليل الإصابات حسب العمر، الجنس، الحالة الاجتماعية، والمهنة، لتوجيه الجهود الوقائية والتثقيفية بدقة وفعالية.

كل ذلك يتطلب سياسات صحية مبنية على الواقع السكاني، وتكامل الخدمات، وتقديم رعاية شاملة في مستشفيات مرجعية متقدمة.

وما لم يتحقق ذلك، فإننا مقبلون على زيادة انتشار الأورام كمًا ونوعًا، وزيادة في الأعباء الصحية والمالية، وهدر للأموال العامة ولمدخرات المرضى وذويهم.

مكافحة السرطان مسؤولية مشتركة، وواجب وطني وإنساني وأخلاقي.

زر الذهاب إلى الأعلى