مقالات الرأي

ترشيد الإنفاق الصحي 

بقلم/ علي المبروك أبوقرين

في ظل الأزمات المالية والاقتصادية والصحية بالضرورة التطرق للإنفاق الصحي وتردي الخدمات الصحية، وبديهي أنه بالتوعية والتثقيف الصحي، والرعاية الصحية الأولية المتكاملة، والكشوفات المبكرة، والإصحاح البيئي، والصحة الحيوانية، ومراقبة الإنتاج الزراعي، والرقابة الصحية المشددة على الأسواق، وتعزيز الصحة العامة (هذا ما يجب أن يكون) يجنب كل ذلك أكثر من 85% من الأمراض وخصوصًا المزمنة والأكثر تكلفة والأعلى في الوفيات.

والسجلات الطبية الإلكترونية واعتماد نظام الإحالة توفر بين ضعفين إلى أربعة أضعاف الإنفاق الصحي (منع تكرار الخدمات وسوء استخدام الإمكانات والتردد المتكرر على مرافق صحية مختلفة دون نتيجة)، والالتزام بتصنيف المرافق الصحية وملاكاتها وهياكلها الإدارية والفنية يوفر مرتبات جميع القوى العاملة التي لا علاقة لها بالعمل الصحي وغير المؤهلة له، ومرتبات أكثر من 50% من القوى العاملة الصحية لعدم مواءمتها لمتطلبات وشروط المهن الصحية والطبية (لا مؤهلات ولا تدريب ولا خبرة) وبذلك يتم توفير مرتبات أكثر من 50% من القوى العاملة الحالية الذين لا حاجة لهم نهائيًا وتوفير أكثر من 90% من تكاليف الإهمال والأخطاء الطبية ويقلل مدد الإقامة بالمستشفيات ويقلل التردد وإعادة الإدخال وإعادة التدخلات الطبية لمعالجة المضاعفات والآثار السلبية، ما يوفر من 25 إلى 35% من ميزانيات تشغيل القطاع الاستشفائي، وبالضرورة تقل نسب الإعاقات والوفيات، ويحافظ على صحة وحياة الناس.

وبالتخطيط الجيد والرقابة السابقة والمصاحبة واللاحقة وتطبيق نظم الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوي والمراجعة والتدقيق المستمر ومتابعة مؤشرات الأداء، وترميز الأمراض واستخدام الأدلة والبرتوكولات العلمية في التدخلات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، يحسن الخدمات الصحية ويقلل أو يمنع الهدر المالي، واعتماد منظومة متكاملة لتكويد واستخدام التسلسل الرقمي الخاص لجميع المعدات والأجهزة والأدوات الطبية والمستلزمات والمستهلكات والأدوية وغيرها من كل ما يستخدم في الخدمات الصحية في جميع مؤسسات النظام الصحي الليبي العام، مع نظام تتبع إلكتروني تفصيلي ودقيق من مصدر الشراء والمصنع إلى المستهلك النهائي (المريض) لمنع التسرب والتهريب والسرقة والتلف والهلاك والهدر الذي يشكل من 35 الى 55% من كل ما يورد للبلاد للقطاع الصحي.

وإلغاء جميع الهياكل الموازية والهيئات والمؤسسات والمسميات التي لا معنى ولا قيمة لها يوفر 100% من الأموال الضخمة المخصصة لها بلا فائدة، وتوجه مباشرة لدعم الأقسام الطبية والمستشفيات.

والفصل التام بين العام والخاص يوفر على الناس كل مدخراتهم (أكثر من مليار ونصف دينار سنويًّا) ويحسن العمل بالمرافق الصحية العامة، ويوفر مرتبات جميع العاملين بالخاص! ومنع تضارب المصالح في جميع وظائف وأعمال وأنشطة القطاع الصحي العام يمنع الهدر والفساد والإنفاق غير المشروع الذي يقدر بنسب عالية ومرعبة.

واحتكار الدولة لاستيراد الأدوية والمستلزمات واللقاحات، وإنشاء شركة أدوية مختصة بذلك يضمن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية واللقاحات الأصلية وبالكميات والأصناف المطلوبة دون نقص أو تأخير أو زيادة عن الحاجة، وتشغيل جميع المرافق الصحية بالإمكانيات التقنية والتكنولوجية الطبية المتطورة، واعتماد الرقمنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والتطبيب عن بعد والخدمات الروبوتية والافتراضية، ورفع كفاءة أقسام الطوارئ والعنايات والعمليات مع توفير الكوادر المؤهلة والمتخصصة، ورفع كفاءة العاملين يحسن الخدمات الصحية ويوفر تكاليف العلاج المباشرة في الخاص والخارج وعلى النفقة الخاصة والتي تقدر بالمليارات، ما يضمن الخدمات الصحية المتكاملة بجودة وكفاءة عالية التي تحافظ على صحة وحياة الناس وتمنع الهدر المالي والإنفاق غير المشروع ما ينعكس على التنمية والإنتاج والاقتصاد.

ومن المهم فصل التمويل عن الخدمات، واعتماد سياسة الإنفاق وفق النتائج وليس مقابل الخدمات، وهذا يحتاج إلى الإدارة الرشيدة مع الحوكمة والشفافية، ونشر البيانات والمعلومات الدقيقة والحقيقية، مع مشاركة الناس وتجارب المرضى، والتوظيف وفق المؤهل والخبرة والكفاءة والمهارة والاحتياج ليس إلا، وضرورة العمل على تحقيق المؤشرات الصحية العالمية لكل مكونات وإمكانيات ومخرجات النظام الصحي الليبي والتي لا تزال متدنية جدًّا.

رغم الهدر المالي وتدني الخدمات الصحية فإن ميزانيات القطاع الصحي متدنية وضعيفة جدًّا وتحتاج إلى مضاعفتها بما يتناسب مع التحديات الصحية التي تمر بها البلاد، شرط الإصلاح والعمل بالخدمات الصحية الاستباقية والتنبؤية والوقائية والرعاية الصحية الأولية المتكاملة، والخدمات الصحية الواحدة والفردية وبالتوجه إلى نموذج الطب الوقائي بدل الطب العلاجي لتتحسن الصحة وتقل التكلفة وتتحقق التنمية والرفاه.

زر الذهاب إلى الأعلى