مقالات الرأي

الطريق إلى الدولة بين الواقع والمأمول!

بقلم/ فرج بوخروبة

لا شك أن الأزمة الليبية كأزمة مركزية بالنسبة إلى المواطن كان لها الأولوية في الاهتمام والمتابعة، لاسيما في ظل تعاضد كلِّ قوى الشر والظلام وتكالبها على قهر الشعب الليبي بالانقلاب على واقعه السياسيوجره إلى متاهات الديمقراطية الزائفة والتغيير في البلاد إلى واقع جديد يرسم لهم مشهد الفردوس الأوروبي ونعيمه الأرضي بألوان وردية ويزين لهم الحلم والطموح من خلال شعارات وطنية مغلفة بالخير والتفاؤل بصبغة دينية يقودها الإسلام السياسي تحت عنوان الحرية والعدالة والمساواة، وبالتالي لم تكن المعركة مع الخدعة الكبرى بالأمر الهين، مع ذلك كان لزامًا علينا مواجهة كل طواغيت الأرض، واعتبارها معركتنا المصيرية، ولو تخاذلنا -لا قدر الله- لخذلنا أنفسنا في معركتنا مع تحالف العدوان الذي يعد أيضًا جزءًا من التحالف مع قوى الشر، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتأخير التغييرات الجذرية، وذلك بحسب معطياتالواقع المرير والأسباب الأخرى، التي يمكن تلخيصها بالمحاور التالية: اليقظة المبكرة في تنفيذ الخطة الاستراتيجية بالتوجه نحو إعداد رؤية متكاملة لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة باعتبارها ضمن المرحلة الأولى للأزمة، وتوعية المجتمع بمخاطر وتحديات المرحلة الراهنة، وشحذ الوقت والجهد في مواجهة الأزمات وخلق الفرص أمام التحديات المستقبلية، وبناء الثقة بين المواطنين في ظل وجود عوامل الخطورة من حيث انتشار الفتن وتشتيت الانتباه وعدم القدرة على التعامل معها بشكل عام، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ورفع كفاءة الأجهزة والمعدات اللازمة للحد من المخاطر الناتجة عن الأزمة الممنهجة، والاعتماد الكلي على المؤسسة العسكرية ودعمها لكي تتمكن من تنفيذ المهام المطلوبة منها على أساس القدرة والكفاءة والمهنية المطلوبة.

هذه النقاط أخذت وقتًا طويلًا لإعدادها وتجهيزها بما يضمن إجراء التغييرات الجذرية بأفضل ما يمكن، وليس كما كان يتم من خلال تدوير النفايات من مكان إلى آخر كانعكاس وترجمة فعلية لما هو محكوم علينا بعدم الخروج من دائرة الفساد والفشل المتعمد بسبب التبعية التي عرقلت كل تصحيح وكل تقدم ممكن.

الأمر مختلف تمامًا هذه المرة؛ لسبب وحيد، هو أن من يشرف ويتابع التغييرات لا يرى نصب عينيه أي مصلحة أخرى غير مصلحة الشعب والوطن، وبما يرضي الله عزَّ وجلَّ، وليس بما يرضي النافذين أو الدول التي كنا نتبعها والتي حرصت على استمرار فقرنا وتخلُّفنا وعجزنا لنستمر بالاعتماد عليها في كل شيء حتى لا نستطيع الخروج عن طاعتهم وتبعيتهم.

هنا بفضل الله -عزَّ وجلَّ- توفر لدينا الشرط الأساسي الذي سيقود التغييرات إلى المسار الصحيح. لكن العدو المهزوم عسكريًّا يعرف أن اختلالات الداخل تخدمه أكثر، وبذلك سيتسبب في إحراق الكرت الأخير المتبقي لديه، وهو كرت الوضع الداخلي (الخدمي والمعيشي)، ومن هذا المنطلق سيسعى جاهدًا إلى إعاقة هذه التغييرات، ولهذا نلاحظ بشكل جليٍّ وواضحٍ تكثيف الإجراءات العدوانية، اقتصاديًّا وماليًّا وكل ما يمس المواطنين، كلما اقتربنا من تنفيذ المرحلة الأولى للتغييرات الجذرية، لكن المتربص وتحركاته محدودة، ولا يستطيع أن يؤثر بقوة في ساحة هذه المعركة بدون تعاون من الداخل. وهذا التعاون قد يتم بقصد (التخابر مع الخونة وتنفيذ أجنداته ومخططاته)، وقد يكون سببه تغليب المصالح الشخصية على العامة أو عدم الكفاءة، والغباء والعشوائية وغياب الرؤى والتخطيط، وفي الأخير النتيجة واحدة، وهي التدمير الذاتي من خلال إضعافنا من الداخل وإنهاك المجتمع وإثارة السخط الشعبي، ولن يتركوه ينهض ويحصل على استقلاله بسهولة.

وإجراءات تجويع الشعب وإنهاكه لضمان إخضاعه لا تتم عبر الحرب الاقتصادية الظاهرة والمعلنة فقط، بل هناك أيضًا إجراءات مدمرة للوطن وقاتلة للشعب قام بها مسؤولون في الداخل، منها بشكل سري ومنها مغلفة بغطاء ديني، وهي إجراءات متعمدة لخدمة الغرب وليس لخدمة مصالحهم الشخصية فقط، ولا تقتصر على السير في طريق الإثراء غير المشروع، وأقول متعمدة لخدمة العدو لأنها لم تكن عبارة عن فساد مالي مهول فقط، مع أن الفساد وحده كفيل بتدمير أكبر وأعظم الدول، لاسيما في ظل انعدام مبدأ المساءلة والمعاقبة بالتوازي مع تفشي الجور والظلم والباطل، وفي ظل وجود قبة حديدية تحمي الفاسدين، فما بالكم عندما تؤدي الإجراءات إلى فساد مالي وخيم وتدمير ممنهج ومدروس ومخطط له بعناية؟

فكيف لم نرَ ونشاهد أعمالًا تمت خلال فترة الأزمة من شأنها نخر مؤسسات الدولة وإنهاك المواطن، رغم أن الخائن كثفها منذ اندلاع الأزمة وكثفها أكثر منذ بدء معركتنا العظيمة مع الشيطان الأكبر. ورغم أنها واضحة ولا تحتاج إلا إلى جمعها وترتيبها ودراستها وتقييمها، فهل يعقل أن نكتفي بكشف خلايا خدمت العدو قبل عشرات السنين ولا نسعى إلى كشف من خدمه وما زال يخدمه حاليا! وكيف يمكن أن يتجاهل المعنيون بالرقابة المالية والأمنية والتقييم مشاريع التعديلات القانونية التي قدمها مصرف ليبيا المركزي إلى مجلس النواب والتي من شأنها إنهاك المواطن وإثارة السخط الشعبي ضد الدولة والحكومة وضرب الحاضنة الشعبية في مقتل؟

زر الذهاب إلى الأعلى