لقد بلع الجميع الطُعم!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
آمل أن يُقرأ هذا المنشور بعيدًا عن المواقف العقائدية، والتوجهات الفكرية، والاستنتاجات السياسية المبنية على الأحكام المسبقة والتقييمات الشخصية للأفراد والجماعات، وأن يحتفظ الكلُّ، لبرهة، بقناعاته وينظروا في الأمر بموضوعية من خلال المعطيات الواقعية ووفقًا لتطلعات الأجيال القادمة.
السؤال الأساسي: كيف نجح الاستعمار الغربي في تحقيق تواجد مستدام له في الوطن العربي بعد أن طُردت جيوشه وتحررت البلدان العربية الواحدة تلو الأخرى بفضل تضحيات الآباء والأجداد؟
في غمرة نجاح حركات التحرر في العالم بطيِّ صفحة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإسباني والبرتغالي بعد الحرب العالمية الثانية، وإعادة بناء دول قومية كبرى في مناطق مهمة كالهند والصين وإيران والبرازيل وإندونيسيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا، التي تخلَّصت إلى حد كبير من التبعية للمستعمر وحققت نموًّا اقتصاديًّا وضعها في مصافِّ الدول الكبرى، بل إن بعضها تجاوز المستعمر ذاته وأصبح منافسًا اقتصاديًّا وسياسيًّا مهمًّا كما هو الحال مع الصين وإيران والهند والبرازيل، استمرَّ الوطن العربي، رغم التضحيات الجسيمة التي قدمها، خاضعًا للدول المستعمرة، وإن تغيَّرت الأشكال قليلًا.
فقد نجحت القوى الاستعمارية في فرض تقسيم غير منطقي عبر خطوط وهمية قسمت العائلات والعشائر، وذلك منذ اتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة التي شاركت فيها روسيا القيصرية وكُشفت لاحقًا عقب الثورة البلشفية.
والأخطر من ذلك، أن الاستعمار زرع فتنة مستدامة متعددة الأوجه، عبر سياسة “فرق تسد”، مستغلًا بعض الفروقات المذهبية والاجتماعية لإشعال صراعات دموية، أدت إلى تشرذم النخب وإبعادها عن إعادة بناء الدولة القومية المنشودة.
فقد جند المستعمر العرب ضد الدولة العثمانية تحت ذريعة دعم التحرر العربي، ثم تنكَّر لهم لاحقًا كما يتضح في مراسلات الشريف حسين والسفير مكماهون، ومذكرات لورانس العرب وجون فيلبي. وبعد القضاء على حلم الشريف حسين، أسس الاستعمار تنظيمات ذات طابع ديني لمواجهة تنامي المد القومي العربي، وأوهم البعض بأن القومية العربية مشروع مسيحي معادٍ للإسلام.
وفي ذات الوقت، زرع الفتنة بين الحركات القومية نفسها، فانكفأت لبناء دويلات وطنية صغيرة، ثم دعم حركات دينية شعاراتها الجهادية لإسقاط تلك الدويلات.
عاد الاستعمار تحت غطاءات جديدة، وتحكم من جديد بالقرارات الوطنية والثروات، وحوَّل السلطات المحلية إلى أدوات لحراسة مصالحه.
أما التنظيمات الدينية، فقد توهمت أن المستعمر يدعمها إيمانًا بمشروعها، حتى استخدمها ثم تخلص منها، عبر إنشاء جماعات تكفيرية سفكت دماء المسلمين قبل غيرهم، وأشعلت صراعات مذهبية كارثية.
السؤال: متى تدرك النخب العربية، القومية والدينية، أن الاستعمار ينظر إليهم جميعًا كأدوات؟! لم تُبنَ دولة قومية موحدة، ولم تُقم دولة إسلامية عابرة للقوميات، بل حتى الكيانات الوطنية الصغرى لم تُحمَ من التآكل والانهيار.
اليوم، تُمارَس ضد العرب حرب إبادة مكشوفة لا تفرِّق بين مسيحي ومسلم، شيعي وسني، صوفي وسلفي، كما نراه في فلسطين واليمن وسوريا.
إنني أدعو إلى وقفة ولو مؤقتة بين النخب العربية، للتفكير بعمق في واقعنا ومستقبلنا كعرب ومسلمين. إن تجاوز هذه المرحلة الخَطِرة يتطلب وحدة النخب وقوة مبادراتها.
ينبغي أن يكون شعارنا للمرحلة الراهنة: “كلمة سواء لحماية وجودنا والدفاع عن ديننا ومستقبل أجيالنا على أرضنا”.
أعرف أن بعض النخب أدوات للاستعمار عن وعي وإصرار، لكنني على يقين أن الغالبية مستغفلة، تعمل بحسن نية. إليهم أوجه هذه الرسالة.
والله من وراء القصد.