مقالات الرأي

الحافز والفرصة الدولية المواتية في خلق أحداث ما يُسمَّى بـ”ثورات الربيع العربي”

بقلم/ عبد الله الربيعي

لأننا اكتوينا بنتائج تلك الأحداث أو تأثرنا بتلك الموجة العاتية على مستويات مختلفة؛ من الفرد إلى الأسرة، ومن المجتمع إلى الدولة، ثم الإقليم، فقد كان لزامًا أن نتتبع بدايات التفكير في تنفيذ تلك الأحداث، التي لم تولد من عدم، ولم تنزل من السماء، بل جرى الإعداد والتخطيط لها. ليس من باب نظرية المؤامرة، بل وفق معلومات وبرامج وخطط مُعلنة.

ففي عام 2006، أعلنت كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي في إدارة بوش الابن ووزيرة الخارجية الأمريكية لاحقًا، عن مخطط “الشرق الأوسط الجديد”، من خلال تنفيذ “الفوضى الخلّاقة” – طبعًا الأمريكية – المدمّرة لنا.

ولنجاح هذه الاستراتيجية، كان لا بد من تهيئة المسرح الدولي، وتعبئة الرأي العام، وحشد القوى، وتحديد الحلفاء الدوليين والإقليميين، وتجنيد القوى الداخلية المتحفِّزة للتغيير، وإعدادها لوجستيًّا وفكريًّا وسياسيًّا.

فبعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت الديمقراطية الغربية النموذج والمثال، وهي “آخر المطاف” حسب مقولة فوكوياما “نهاية التاريخ”، وأطروحات العولمة، التي رُوِّج لها على أنها جعلت العالم قريةً واحدة، وأن الديمقراطية الغربية انتصرت، وسيادة “العالم الحر” أصبحت واقعًا، والمقصود بذلك الولايات المتحدة الأمريكية وشمال غرب أوروبا وكندا وأستراليا واليابان وبعض الديمقراطيات الناشئة في كوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى الدول المستقلة حديثًا من هيمنة الشيوعية في شرق أوروبا.

كل ذلك شكل حافزًا لاستنهاض قوى داخلية تدَّعي الليبرالية وتتقمص القيم الغربية، وأصبحت تنادي بحقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحق تشكيل الجمعيات السياسية والأهلية والحقوقية، وحماية الأقليات، وحقوق الشعوب الأصلية، وجمعيات حماية البيئة، وحقوق المستهلك، وغيرها الكثير.

وفي الوقت نفسه، كانت هناك قوى منظمة متحفِّزة، تصاعد دورها بعد نهاية الثمانينيات، وكسبت الانتخابات في عدد من دول المنطقة، ترفع شعار “الإسلام هو الحل”، كجماعة الإخوان المسلمين وامتداداتها من حركات التشدد والتطرف الإسلامي. وحيث إن الليبراليين، وأيضًا جماعات الإسلام السياسي، في علاقة وثيقة مع الغرب – بحكم الولاء السياسي والفكري بالنسبة إلى الليبراليين، وبسبب الحماية وتوفير الملاذات الآمنة للإخوان في مراحل مطاردتهم من طرف الأنظمة الثورية القومية – توافرت شروط التحالف والتقت المصالح.

فالليبراليون نخب متهافتة لا قواعد شعبية تُذكر لهم، ويعانون من ضعف تنظيمي، حيث التجربة الحزبية ضحلة وضعيفة، ومقابل ذلك، يوجد تنظيم حديدي وأيديولوجية سياسية ترتكز على خلفية دينية إسلامية تُلهم مشاعر العامة، وتتلحف بمظلومية تاريخية تدَّعيها من خلال عقود من النضال ضد القمع والمنع والمطاردة، منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، على يد الأنظمة الثورية القومية في مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر، وفي بلدان أخرى كتونس وغيرها.

وفي ظل ضعف الأنظمة، وتقلُّص دور المشاركة الشعبية في السلطة، وترهُّل الحكومات، وفشل التنمية، وزيادة عدد العاطلين، خاصة من فئة الشباب، كانت هذه الأزمات وتراكمها ناتجة عن أسباب داخلية وخارجية.

فليبيا، على سبيل المثال، عانت من الحصار والعقوبات الأمريكية والأوروبية، وشُنَّت عليها حروب متعددة: سياسية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية. كل تلك العوامل وفَّرت بيئة ملائمة لتنفيذ مخطط الفوضى الخلَّاقة الأمريكية، وميلاد الشرق الأوسط الجديد، الذي كان مدخل تنفيذه ما يُسمى بـ”ثورات الربيع العربي”.

وهذا ليس اتهامًا أو استنتاجًا أو خيالًا، بل هو ما قاله زعماء الغرب؛ الرئيس الفرنسي ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون، ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مذكراتهم، ومن خلال الرسائل المسربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبريد هيلاري كلينتون، التي تطوَّع بنشرها الرئيس الأمريكي ترامب خلال حملته الانتخابية في ولايته الأولى (2016–2020).

فتوافر العوامل الداخلية من ضعف وترهل، ووجود قوى سياسية متحفزة، وقرار دولي أمريكي غربي، وفق مخططات ونوايا واضحة، شكل الحافز لقوى داخلية للوصول إلى السلطة – وبأي ثمن، ولو على ظهر دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية، كما جاء في بيان جمعية الليبراليين العرب الجدد في الإسكندرية عام 1993، حيث كان شعارهم حينها “تحقيق الديمقراطية والتحول الديمقراطي”.

أو كما بشّر الإخوان المسلمون ومشايخهم وإعلامهم بأن “الناتو سخره الله لنا”، وكأن حلف الناتو الشيطاني جُند من جنود الله، والعياذ بالله مما يصفون ويدَّعون زورًا وبهتانًا.

هذه الإرادات مجتمعة حقَّقت القضاء بوسائل متعددة على الحكومات القائمة، وانتشرت الفوضى، وعمَّ الفساد، ووجدت التنظيمات الإرهابية المدرَّبة الفرصة سانحة لتحقيق مآربها وأهدافها في القتل وسفك الدماء، والانقلاب على حلفاء الأمس من الليبراليين والمنشقين، وحتى على أمريكا نفسها.

فكانت أحداث قتل السفير الأمريكي ستيفنز ومعاونيه في مدينة بنغازي، وما شهدته مدن درنة وبنغازي وسرت من ذبح وقطع للرؤوس، وكان ضحيتها من قادوا التمرد والانتفاضة من جماعة المحكمة (المسماري، سلوى أبوقعيقيص، وغيرهم من الإعلاميين والناشطين).

ولكي تنجح مخططات الإخوان وتنظيمهم الدولي لتأسيس الدولة الإسلامية، كان لا بد لهم من تصفية ضباط وجنود الجيش والشرطة والأمن العام. ومن هنا، انقلب السحر على الساحر، وبدأت المعركة للقضاء على الإرهاب واستئصال هذا التنظيم المعادي للشعب، والذي يطمح إلى أن يستبدل جماعته بمجموع الشعب وقواه الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى