“حل الدولتين” أو لا حل
بقلم/ محمد علوش
لنعرف أولًا مبدأ “حل الدولتين” وفق الأجندة الأمريكية، الذي لطالما صرحت به، ودون أن تفصح عن مضمونه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبالنسبة إلينا فإن إنقاذ “حل الدولتين” يبدأ بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس.
وإن دولة الاحتلال هي من أنهت عمليًّا كافة الاتفاقيات الموقعة بإجراءات عملية وبدعم مباشر من الإدارة الأمريكية، ولن يبقى الجانب الفلسطيني باعتباره الطرف الوحيد الملتزم بالاتفاقيات الموقعة مع حكومات الاحتلال، فنحن أمام وضع غاية في الدقة والخطورة مع استمرار العدوان وجريمة الحرب والإبادة الجماعية على شعبنا، في وقت تتجه فيه حكومة الاحتلال نحو الفاشية، فمجمل القرارات الأخيرة التي أقرتها هي قوانين عنصرية والإجراءات التي تنفذها هي إجراءات عدوانية إرهابية، وإن الصمت الدولي أمام ذلك، ستنعكس نتائجه على المجتمع الدولي بأكمله.
دولة الاحتلال غير معنية باستقرار المنطقة وأمنها، بل تبحث عن تصعيد خطير، وتعمل على استبدال “حل الدولتين” بحل الاستيطان ونهب وسرقة الأراضي الفلسطينية، وكذلك مواصلة سرقة وقرصنة الأموال الفلسطينية، والاستمرار في تنفيذ المشاريع الاستيطانية الاستعمارية التوسعية، والعالم اليوم مطالب، سياسيًّا وأخلاقيًّا، بالانتصار للحق والعدل وللقانون الدولي، وعليه اتخاذ مواقف وإجراءات بحق إسرائيل، القوة الغاشمة القائمة بالاحتلال، لا أن يستمر بالتعامل معها كدولة فوق القانون، وأن يكفَّ عن سياسة الكيل بمكاييل مزدوجة تجاه إسرائيل ودول أخرى.
وهناك تحولات جوهرية في مواقف حكومات الاحتلال تجاه عملية السلام، حيث قوضت هذه الحكومة برئاسة نتنياهو “حل الدولتين” عبر إجراءاتها العنصرية المتمثلة في الاستيطان والضم التدريجي للأراضي الفلسطينية وعمليات التهجير القسري في القدس، وتسعى إلى فرض دولة مؤقتة الحدود عبر تسليح ميليشيات المستوطنين ورعاية ودعم إرهابهم المتواصل، ونحن لا نعاني من انسداد الأفق السياسي وحسب، بل هناك فراغ سياسي عميق، فالإدارة الأمريكية لا يوجد على أجندتها أي أفق للحل السياسي، وسياسة حكومة الاحتلال تعتمد على تقليص الصراع وتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين تارة أو تعمد إلى إبادتهم جماعيًّا كما هو الواقع في غزة، أو تضهدهم وتمارس التطهير العرقي والنظام العنصري بحقهم كما هو واقع الحال في القدس المحتلة وفي الضفة الغربية.
وهنا دعوني أنتقد بشدة تلك المواقف الخجولة والمترددة، وأحيانًا تلك المواقف المنافقة التي تطرحها بعض البلدان، فبعض الدول الأوروبية مثلًا التي تؤيد “حل الدولتين”، ولكنها لا تتخذ أي إجراءات لحماية “حل الدولتين” بموجب القانون الدولي، وإن الدول الأوروبية التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية، تتحدث عن أنها حريصة على “حل الدولتين”، وتدين الاستيطان الذي يهدد “حل الدولتين”، وهي بالأساس لا تقوم بأي إجراء ملموس يحمي “حل الدولتين”، وحتى يردع إسرائيل، وينصف الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل الحرية والاستقلال.
ونقول لكل هذه الدول إن الخيار الأفضل لحماية “حل الدولتين”، هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وأن يحكم نفسه بنفسه، وما دامت هذه الدول تعترف بإسرائيل، بالوضع الطبيعي، فعليها أن تعترف إذن بالدولة الفلسطينية، إن كانت فعلًا صادقة وجادة في مواقفها السياسية، والمشكلة التي نواجهها، أننا اليوم نسمع دولًا تتحدث باللغة السياسية التي تتحدث بها دائمًا، والتي لا تزال تتمسك بحل الدولتين، وترفض سياسة الاستيطان، دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
إن إسرائيل تشعر أنها فوق القانون الدولي، وأن هناك غطاء من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس سرًّا، بل بات حقيقة علنية تجاهر بها الإدارة الأمريكية. وأمام هذا الصلف وهذه الشراكة المعادية الأمريكية الإسرائيلية، لا نملك سوى خيار الصمود ومواجهة إجراءات الاحتلال والتمسك بقرارات الشرعية الدولية، وتمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية المشروعة.
وفي إطار الرد على سياسات الاحتلال ومحاولات تقويض المنجزات الوطنية والانقضاض على المشروع الوطني نحو بناء الدولة الفلسطينية وتحقيق الاستقلال، فقد حان الوقت للانتقال من السلطة إلى الدولة، وهذا يتطلب إنجازًا سريعًا للإعلان الدستوري وتشكيل المجلس التأسيسي كمرحلة انتقالية، فالإعلان عن المجلس التأسيسي لدولة فلسطين بات أمرًا ملحًّا، وهو قضية نضالية من الدرجة الأولى، فمثل هذا التوجه الاستراتيجي وتحويله إلى واقع ملموس على الأرض، يعني نقل معركة التحرر الوطني إلى مراحل متقدمة مع الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، كدولة تحت الاحتلال، واستمرار التحرك السياسي والدبلوماسي مع المجتمع الدولي ودعوته إلى دعم نضال شعبنا العادل وممارسة كل أشكال الضغوط ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإلزام حكومة الاحتلال وقف عدوانها، ومواصلة الجهود للانضمام إلى المنظمات والوكالات الدولية المختلفة تعزيزًا للمكانة القانونية لدولة فلسطين.
علينا أن نتمسك بحقوق وأهداف شعبنا، ورفض ما يسمى بالدولة ذات الحدود المؤقتة، وكافة الصيغ والحلول الانتقالية والمنقوصة، وأية مشاريع بديلة ومشبوهة من هذا الطرف أو ذاك، وإعادة التأكيد على حل القضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ومبدأ “حل الدولتين” وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وأن عدم حلها وفقًا لذلك يمثل تهديدًا للأمن والاستقرار الدوليين، ومدخلًا لزيادة الصراعات السياسية في المنطقة.