مقالات الرأي

أبواق الفتنة تطل بلعبة جديدة !!

بقلم/ ناصر سعيد

أول فشل لتوظيف الذكاء الاصطناعي في ليبيا يُسجل لجبهة الفشل التي أسمت نفسها جبهة إنقاذ ليبيا، والتي تمكنت من إغراق ليبيا في أتون الفشل والدمار والفتنة والإرهاب، إلى الحد الذي صار معه الأمل في استعادة ليبيا يشبه المستحيل.

لم يتبقَّ لجبهة إغراق ليبيا إلا توظيف وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي لتتبع مسارات معينة من المحتوى المنشور على وسائل التواصل، والذي كلما ورد فيه حديث عن دولة ليبيا الفاعلة والنظام الوطني الذي أدار معركة السيادة والتنمية والدور الإقليمي والدولي الفاعل، إلا أعقبه بسلسلة من التعليقات السلبية المكررة الموحدة، وإغراق المنصات المنشور عليها ذلك المحتوى بسلسلة من المقالات والمواد المفبركة، كآخر ما تبقى لتلك الفضلات السياسية التي أنهت أمريكا مهمتها في تضليل الرأي العام وتهيئته للعمل الكارثي في إسقاط الدولة الليبية وشيطنة مؤسساتها وتدمير مقدرات ليبيا الاقتصادية تحت شعار إسقاط النظام، ليجد الشعب نفسه اليوم في أقصى حالات التشرذم والبؤس وانعدام الأمان والخوف من المستقبل.

الأمر الذي استدعى وعي الكثير: لماذا نحن هنا ولماذا وصلنا إلى هذا القاع وما المكاسب التي تحققت للشعب وللدولة الليبية من كارثة فبراير وما المكاسب التي تحققت لعصابات النهب والحكم اليوم؟.

من هذه الأسئلة والمقارنات والتحليل الواقعي، تزايد فهم المواطن لحجم الكارثة، وتزايد رعب الجبناء العملاء من صحوة الشارع.
كان لا بد من عمل لمواجهة تنامي شعور المواطنين بالخديعة وندم المغرر بهم بعد أن ضاعت بلادهم وصارت في آخر سلم مؤشرات الحريات والأمن والتنمية، واعتلت سدة مؤشرات الفساد والإرهاب والجريمة.
لقد سُقط في يد هؤلاء الشراذم كل أدوات التدجيل السابقة التي انتهى مفعولها، فلا حديث عن الديمقراطية يصدقه أحد، ولا حديثهم عن الأمانة والكفاءة والنزاهة ينطلي على أحد؛ فلا ديمقراطية يأتي بها عميل على ظهر دبابة غربية، ولا نزاهة لمزوِّر ولص، ولا كفاءة لخريجي الحانات أو خريجي كهوف تورا بورا.
آخر توظيف وضيع ويعبّر عن نذالة هؤلاء الجبناء هو العودة لمربع الإعلام القذر والميديا السوداء؛ فلا تنمية يمكنهم تحقيقها، ولا عدالة يمكنهم نصب ميزانها، ولا مؤسسات فاعلة يمكن الاعتماد عليها في تحقيق التقدم، ولا مؤسسات شرطية بل ميليشيات، ولا نظام مصرفي يمكن الوثوق به في دعم الاقتصاد.
لقد سلَّموا البلد إلى مجموعة من موظفي الأمم المتحدة، ورجعوا للعبة الكذب والتدجيل على الشعب، ولكن هذه المرة بنمط الذكاء الاصطناعي المكشوف، حيث انتشرت مئات المواقع تطارد أي محتوى يتحدث بإيجابية عن فترة النظام السابق، يغرقونه بآلاف التعليقات التي تم التعرف على مصادرها وأصحابها الحاقدين الفاشلين.

استغلوا في ذلك وقوع أرشيف الدولة الأمني والإعلامي تحت أيديهم، يعقدون المقارنات التافهة بين ما كان يتم عمله تحت ظل دولة كاملة السيادة، وما يتم اليوم في ظل دولة منقسمة منتهكة السيادة، ينتزعون الأحداث من سياقاتها وظروفها التاريخية، ويحاولون إلحاقها بمخازيهم الحالية التي صارت مكشوفة للعيان ويدرك حقيقتها حتى الأطفال.

حملة قذرة تشنها جماعة مضللة تابعة لبقايا جبهة المقريف والمنظمات المتطرفة الإرهابية المرتبطة بها من الخونة والعملاء الذين قادوا البلاد إلى ما هي فيه اليوم، في صفحات التواصل الاجتماعي، ربما في محاولة للتشبث بعد انكشاف حقيقتهم وسقوطهم شعبيًّا، سقوطًا مدويًا.

منشورات إنشائية محشوة بالأكاذيب تعتمد أسلوب الشتم والقذف، تنتشر بشكل يثير الريبة في عدد من الصفحات بأسماء وهمية، بعضها تم التأكد من أنها تدار من شخص واحد.
المتابع للتعليقات يجدها متكررة “نسخ لصق” وبأسماء كودية في أغلبها، تُنشر بطريقة مبرمجة لتظهر وكأنها آراء لأشخاص طبيعيين، تتركز حول قيادات النظام السابق، وتدور حول موضوعات مكررة من قبيل المشانق والسجون والتعذيب، تحاول استذكار الماضي بصيغة إنشائية لا معلومات حقيقية بها ولا دليل عليها.

ما مارسه أولئك بعد أن نصبهم الناتو على ليبيا في هذه السنوات حالكة السواد، من قتل على الهوية وتعذيب في عشرات السجون العلنية والسرية، يعكس حقيقة الذين يتحدثون اليوم عن الحرية وحقوق الإنسان، وتجريحهم بوقاحة وابتذال لرجال الوطن المخلصين.

بعض المنشورات منقولة من الماضي “نسخ لصق” ولم يحدث عليها أي تطوير، ولعل الإشارة لمطالباتهم بالتنكيل بأنصار ورجال النظام السابق وسحلهم وتعذيبهم وقتلهم، هو آخر ما أمكنهم إخراجه من أدمغتهم التي نخرها سوس الفشل، وعيونهم التي أعماها الحقد والرغبة في الانتقام.

إن دولة سبتمبر تتحمل المسؤولية كاملة فيما تم في عهدها، فلا جريمة بدون نص في القانون، وكل من تعرضوا لعقاب السجن والإعدام يوجد في أرشيف الدولة كل ملابسات القضايا وأحكامها الصادرة من قضاء مختص، وحتى المعالجات التي تمت للتشوهات الاقتصادية والإقطاع تمت بقوانين جريئة، تتفق معها أو تختلف، لكنها كانت عملًا مؤطرًا قانونًا.
فهل تتحمل فبراير اليوم قوائم آلاف القتلى والمهجرين والمفقودين، وأعمال النهب والعبث بالثروات والموارد الاستراتيجية للدولة؟
ذلك يحتاج إلى شجاعة لم ولن نراها في منظومة عميلة وجبانة، لا سبيل لها للمواجهة إلا بالعودة لمربع الزيف والفبركات وتضليل الرأي العام، الذي كان سلاحهم في معركة طويلة، كان أكبر فصولها عدوان الناتو الذي كان يصب حممه على شعب ليبيا، وهم يتضاحكون ويتقافزون في الفضائيات، يذرفون دموع الكذب واختلاق الأكاذيب، إلى أن استفاق الجميع على مشهد اليوم، ولكن بعد فوات الأوان: بلدٌ بدون سيادة، بدون موارد، بدون احتياطيات، أمواله مجمَّدة، سيادته منتهكة، ويفكر بعض السذّج في العودة بوعي الشعب إلى قصص مضحكة مثل طوابير الأسواق أو البكاء على إعدام خائن جنّده عميل مثل السادات لتفجير مقرات أمنية وموانئ حيوية.
أي دعارة سياسية وأي قاع أبعد من هذا يريد هؤلاء الأوباش الوصول بالبلد إليه؟
لسنا هنا اليوم في مجال المقارنة، ولا حتى في حاجة إلى الدفاع عن نظام وطني جند العالم الغربي المعادي للأمة كل قوته لإسقاطه، ثم ترك بيادقه وشعبه يعانون البؤس والعوز والخوف، لكن تناولنا الموضوع من باب توضيح الأشياء، حتى وإن كانت واضحة.
طال الزمن أو قصر، لن يستمر اللعب، وللحقيقة موعد لن تُخلفه، ومن سيتضرر من الانتقام الآن هم أولئك المسيطرون اليوم على المشهد نتيجة ارتكابهم فظائع في حق أبرياء عزل، ولما ألحقوه من تدمير بمؤسسات الدولة.
في تقديرنا، المتاجرة الإعلامية والسياسية بحقوق مجنيٍّ عليهم، حتى وإن كانوا مزعومين، جريمة أخلاقية تستحق العقوبة قانونًا وشرعًا.
ردنا على من يتناول أشخاصًا بعينهم وينسب إليهم ارتكاب أفعال هي من صنع خيالهم: “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!”
ولماذا لا تساعدون الضحايا إن كانوا موجودين، بدل أن تستغلوهم لبث الحقد والفتن؟
يظل الكذب ديدن الخونة والعملاء، ويظل الصدق دليل الأحرار والشرفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى