مقالات الرأي

المياه واستخداماتها الصحية

بقلم/ د. علي المبروك أبوقرين

تُعدّ المياه النقية الصالحة للشرب من الركائز الأساسية والجوهرية للصحة العامة، إذ تُسهم مباشرة في الوقاية من الأمراض المعدية الخطيرة مثل الكوليرا، التيفوئيد، الدوسنتاريا، وغيرها من الأمراض التي تُسببها المياه الملوثة. فالمياه ضرورية للإنسان لدورها في تنظيم درجة حرارة الجسم، ونقل العناصر الغذائية، والتخلص من الفضلات، وهي تشكّل النسبة الأكبر في جسم الإنسان.

إنّ توفير المياه الصالحة للشرب، والتعامل الصحي الصارم مع سلاسل الإمداد المائية، يعكس كفاءة النظام الصحي والحكم المحلي، ويُعدّ من المؤشرات الأساسية لقياس جودة الحياة في المجتمعات. لذا، من الضروري العمل على توفير مياه نقية صالحة للشرب وكافية لكل الناس، في جميع أنحاء البلاد جغرافيًا وديموغرافيًا، وبشكل عادل في التوزيع والجودة.

يتطلب ذلك حماية مصادر المياه، مثل الأنهار، الأودية، الينابيع، العيون، البحيرات، والمياه الجوفية، من التلوث الصناعي والزراعي والمخلفات البشرية. كما يجب العمل على المعالجة والتنقية وفق المعايير المعتمدة محليًا ودوليًا، باستخدام تقنيات متطورة لإزالة الشوائب البيولوجية والكيميائية والفيزيائية.

وينبغي أن تتم مراحل التخزين والنقل باستخدام الوسائل والوسائط المناسبة مثل شبكات الأنابيب والخزانات، التي يجب أن تستوفي كافة الشروط الصحية والمعايير المعتمدة. كما يُعدّ وجود منظومة مراقبة دائمة لجودة المياه من خلال محطات اختبار موزعة على طول خطوط التوزيع من المصدر إلى المستهلك أمرًا بالغ الأهمية.

وتبرز هنا ضرورة وجود تشريعات وقوانين صارمة، وتشديد العقوبات ضد كل من يلوث مصادر المياه أو يعتدي عليها، أو يتداول المياه بطريقة مخالفة. ويجب وضع معايير محلية معتمدة إلى جانب المعايير الدولية لمياه الشرب، تحدد المواصفات الميكروبيولوجية والفيزيائية والكيميائية للمياه.

لا بد أيضًا من إجراء التفتيش والمراقبة والاختبارات الدورية المنتظمة على مصادر المياه ومحطات التنقية، وتفعيل نظام رقابي فعّال للكشف المبكر عن التلوث مع المعالجة الفورية، بالإضافة إلى وضع خطط استجابة سريعة في حال حدوث تلوث لمياه الشرب خلال الكوارث الطبيعية، وتوفير بدائل مؤقتة في حالات الطوارئ.

التوعية المجتمعية المستمرة تمثّل ركيزة أساسية للحفاظ على مصادر المياه، وعلى الطرق الصحية الآمنة لتخزينها ونقلها واستخدامها. كما أن على الجهات الرسمية المسؤولة أن تضع الضوابط الصارمة لتداول مياه الشرب، لضمان سلامتها وحسن إدارتها من النواحي الصحية والاقتصادية والتجارية، مع فرض رقابة مشددة على جودة المياه المنتجة والموزعة وفق المعايير.

وينبغي اشتراط التراخيص لجميع المنشآت التي تنتج أو تعبئ أو تنقل أو تبيع المياه، مع إجراء الفحوصات الدورية والعشوائية لمياه الشرب في المختبرات الحكومية المعتمدة للتأكد من خلوها من الملوثات. ويجب ضمان سلامة العبوات والأدوات والمواد المستخدمة في التعبئة والتخزين والنقل، وتحديد أسعار عادلة لمياه الشرب توازن بين تكلفة الإنتاج وقدرة المستهلك، مع مراعاة الفئات محدودة الدخل والمرضى، ومراقبة المنافسة ومنع الاحتكار.

من الضروري أيضًا الالتزام بتبيان مصدر المياه ومكوناتها وتاريخ الإنتاج على العبوة، لضمان الشفافية ومكافحة الغش التجاري والتلاعب بصلاحية وجودة المياه. ويجب ضمان توفير المياه الصالحة للشرب – مصدر الحياة – لجميع الناس، وكذلك في المنشآت التي تقدم خدمات غذائية أو صحية أو ترفيهية للجمهور.

كما يجب التأكد من استخدام مياه مطابقة للشروط والمواصفات الصحية في إعداد الطعام والمشروبات، وغسل الأدوات والتنظيف، مع الحرص على تنظيف وتعقيم خطوط المياه والخزانات، وتركيب الفلاتر أو أنظمة التنقية المعتمدة في أماكن التحضير، عند الحاجة لذلك.

ومن الأهمية بمكان، توفير مياه ذات جودة عالية في المستشفيات والمصحات والمختبرات، خاصة في أقسام العمليات والعناية والطوارئ وأقسام الغسيل الكلوي، مع المراقبة الصارمة للمياه المستخدمة في تحضير الأدوية، والتنظيف والتعقيم، والالتزام بمستويات دقيقة من النقاء الميكروبي والكيميائي، وفق المعايير الطبية.

ينطبق الأمر ذاته على الفنادق، حيث يجب التأكد من سلامة المياه داخل الغرف والمطاعم وأحواض السباحة والمنتجعات الصحية. وعلى الجهات الرقابية التأكد من توفر مياه صالحة للاستخدام في الأسواق ومحلات البيع، لاستخدامها في التنظيف وغسل المنتجات الغذائية، وكذلك ضمان توفير مياه نقية للبائعين والعمال وأرباب العمل الذين يتعاملون مباشرة مع الجمهور، لأن أي خلل في جودة المياه قد يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية والخطيرة.

الماء ضرورة حياتية لا غنى عنها، ويجب أن يتوفر بالكمية والجودة والمواصفات اللازمة، ليكون سببًا في استمرار الحياة وليس مصدرًا للخطر والعدوى والأمراض.

“وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون؟”

زر الذهاب إلى الأعلى