إرادة للصمود والمواجهة.. لحظة الحقيقة
بقلم/ محمد علوش
يواصل الشعب الفلسطيني إصراره وتمسكه بحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة، كآخر شعب في العالم ما زال يرزح تحت نير الاحتلال، هذا الاحتلال الفاشي العنصري والإحلالي المنفلت من كل القيم والقوانين الدولية والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره كيانًا وظيفيًّا وقاعدة عسكرية استعمارية متقدمة لخدمة المصالح الإمبريالية التوسعية.
وهذا الشعب العظيم الذي عانى طويلًا من ويلات وظروف الاحتلال، والذي يدفع ثمنًا باهظًا من لحمه ومن دماء أبنائه في إطار هذه المجزرة واسعة النطاق بفصلها الدموي الذي لا يمكن تسميته إلا بالإبادة الجماعية والقتل المتعمد الجماعي لأبناء شعبنا ضحايا عنصرية وفاشية وإرهاب الاحتلال، الذي ينفذ كل هذه الجرائم الإرهابية دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا.
إن نفاق المجتمع الدولي يتعرَّى بشكل صارخ أمام الضمير الإنساني وأمام ما يحدث في قطاع غزة، فالسياسات الإمبريالية الغربية، وعلى رأسها سياسات الاتحاد الأوروبي، تكشف عن وجه عنصري بامتياز، إذ يذرف دموعًا مجانية أحيانًا على كل هؤلاء الضحايا الذين سفكت إسرائيل دماءهم ومزقت أجسادهم وشردت جموعهم وحوَّلت كل شيء في غزة إلى أثر بعد عين، دون أن يحرِّك هذا المجتمع الدولي المنافق والعاجز والفاسد ساكنًا لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين يحلِّقون بطائراتهم في سماء دوله ويستقبلون رسميًّا في عواصمه، بينما يواصلون ارتكاب جرائم الإبادة بحق المدنيين الأبرياء في غزة.
وفي المقابل، نجد ذات المنابر الإعلامية والسياسية تصرخ وتستشيط غضبًا عند مقتل عدد من المدنيين في أوكرانيا، في حين تغضُّ الطرف تمامًا عن المجازر اليومية التي ترتكب بحق آلاف المدنيين في غزة، بحق الشعب الفلسطيني الذي يباد وترتكب بحقه أفظع جرائم الحرب ضد الإنسانية والتطهير العرقي، بل وترتكب أعمال الإبادة الجماعية التي يراها ويسمع بها كل العالم، ولا حياة لمن ننادي.
ومن المؤكد أن قتل المدنيين وترويعهم وتهجيرهم، أينما كان، يجب أن يدان وأن يشجب بلا تردد، لكن ما نشهده من ازدواجية في المواقف وفي المعايير، ومن ضجيج متعمَّد حول ضحايا أوكرانيا مقابل الصمت المطبق تجاه المجازر في غزة وفي الضفة الغربية وفي القدس التي تتعرض للتهويد والأسرلة ويتم تغيير معالمها وتقسيم مقدساتها وخاصة في المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا، يعبِّر عن سياسة عنصرية فاضحة يمارسها الاتحاد الأوروبي، رغم تبجُّحه الدائم بخطاب “حقوق الإنسان” لينال رضا الولايات المتحدة التي انتقلت من دور الشريك للاحتلال إلى دور مباشر في الشراكة الكاملة بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو ودورهما التكاملي والتنسيقي في كافة حيثيات الحرب التدميرية والإبادة الجماعية ومخططات الاقتلاع والتهجير في غزة وآليات تنفيذ عمليات التوسع الاستيطاني وسياسة الضم بالضفة الغربية التي نشهد وقائعها في كل يوم.
وعلينا اليوم أن نشيد بالجهود الكبيرة والجبارة للحركة العمالية العالمية والطبقة العاملة في العالم التي تناصر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وأن نطالبها أيضًا بأن تكون فعاليات الأول من أيار مكرَّسة لدعم وإسناد شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة وفي مقدمتها الحق في الحرية الناجزة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعلينا تقدير وتثمين كل هذه الجهود والمواقف المبدئية والشجاعة للطبقة العاملة، فما تنعم به البشرية مما تبقى من حرية ورفاهية وقيم إنسانية، وتحديدًا في الغرب، إنما هو ثمرة نضالات الطبقة العاملة وحركتها التحررية، التي لطالما حاولت الطبقة البرجوازية استئصالها بمراحل وتجارب وبلدان مختلفة، فالطبقة العاملة القوية والقائمة بفكرها الثوري الطبقي اليساري هي الحاملة الحقيقية لراية الحرية والتقدم والمساواة، وهي القوة التي تقف في وجه وحشية وتغول وسيطرة هذا العالم الرأسمالي ونظامه المستبد وغير العادل، ومن دونها، يسود الظلم المطلق والسافر والاستغلال بأبشع أشكاله أكثر مما نشهده اليوم وتسود شريعة الغاب.
وعليه، فإن القوة الوحيدة القادرة على وقف حمام الدم في فلسطين، وكسر شوكة النازية والفاشية التي تمثلها “إسرائيل” في المنطقة، ومعها داعموها من الأنظمة الغربية وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الغربي، هي الطبقة العاملة، بوحدتها ونضالها الأممي المنظم.
وأمام هذه التحديات الوجودية والمصيرية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني، فلا مناص من الوحدة الوطنية باعتبارها شرطًا أساسيًّا من شروط هذه المعركة ومن أجل تحقيق الانتصار ودحر الاحتلال ومشاريعه التصفوية، وقد وجب اليوم شحذ كل الهمم في ظل الاستعدادات لعقد المجلس المركزي الفلسطيني وبعد عقد العديد من المؤتمرات العامة للاتحادات العمالية والنقابية والنقابات المهنية، حيث يتطلب منا أن نضع آليات عملية وملموسة لتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة دورها القيادي وصفتها كممثل شرعي ووحيد لشعبنا، وتوحيد الساحة الفلسطينية في مواجهة التناقض الرئيس المتمثل في الاحتلال.
إن هذا العالم الذي يقف صامتًا أمام الجحيم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وأمام الإبادة ومحاولات الشطب والتذويب للهوية الوطنية الجامعة وللوجود الفلسطيني فلا خيار أمامنا سوى الصمود والمواجهة وتعزيز الإرادة الوطنية من أجل إسقاط المشاريع الأمريكية الإسرائيلية التي يحاول بعض من العالم المنافق أن يبررها وأن يروج لها وأن يدعمها على حساب شعب راسخ الوجود والهوية فوق أرض وطن لا وطن له سواه.