مقالات الرأي

واقعنا من صنع أفكارنا

بقلم/ المهدي الفهري

الحياة عادة ما تمنح الفرصة لكل من لديه طموح ويسعى إلى تحقيقه إذا امتلك الفكرة والإرادة، وما بين التفكير والفعل والخيال والواقع أفكارنا هي من يحدد مصيرنا ويصنع قرارنا، فنحن نتاج لما نفكر به، وحياتنا نتيجة لتفكيرنا وخيالنا وإبداعاتنا وتعتمد على مدى تقديرنا للمواقف والظروف المحيطة بنا وعلى وعينا وقدرتنا على قراءة الأمور قراءة دقيقة والاستجابة لها كما يجب، لا سيما ونحن ندرك استحالة العيش طوال الوقت بهدوء دون أن يمسنا سقم أو يعترينا نوع من أنواع القلق والإحباط من القادم والآتي، وتلك سنة الحياة وفلسفة الوجود وطبيعة البشر..

ولكن حتى لا نبقى أسرى لأفكار أقرب إلى الخيال وفرضيات أبعد ما تكون عن الواقع، فمن الأجدر أن نكون واقعيين، وأن لا نعطي الفرصة للوساوس والأوهام أن تضيف أعباء وأوزارًا إلى أوزارنا، وتضع على عاتقنا مزيدًا من المتاعب والقلاقل، وتحد من قدراتنا على الحدس والاستشراف والتطلع إلى الآمال المستقبلية بعين التفاؤل، وفي حين يدفعنا استخدام الوعي والمرونة لإعادة الانضباط النفسي ويمنحنا مفاتيح التكيف مع تغيرات العصر، ويمكننا من اكتساب الصفات والمهارات اللازمة التي تؤهلنا إلى التعامل معها بنوع من الحكمة وحُسن التدبير وفهم واحترام الطرف الآخر فإن بناء علاقات بينية على أسس سليمة وصحيحة من البداية وبقدر من الصراحة والوضوح يوفر علينا الكثير من التحايل والنفاق في النهاية ويجعلنا أكثر انحيازًا للقضايا العادلة، وأشد رفضًا للفوضى والديماغوجية في فترة قد نحتاج فيها إلى مراجعة جدية وجدلية ونقدية لكل أفعالنا وسلوكياتنا التي يجب أن تنقاد بالعقل والتبصر والقدرة على التعاطي مع الأحداث حسب الحالة الظرفية السائدة ووفق معيار الزمان والمكان.

وأمام عالم ظالم وعلاقات معقدة ووسط حياة تفتقد الاستقرار وتفتقر إلى العدالة ما أحوجنا إلى التفكير الواعي ومواجهة تحدياتها بنوع من التوازن الذي يتيح لنا العيش في محيط واسع من البشر متناقض في فهمه وتعريفاته ورؤيته للقيم والمفاهيم ومتعدد القناعات والثقافات ومتشعب الآراء والأفكار ويحتم علينا التصرف معه بحنكة وبحذر لاجتياز العديد من الأمور الحياتية التي لا مصلحة لنا في تصعيدها، فليس بالإمكان أن نعزل أنفسنا عن هذا الفضاء أو أن نعيش بمفردنا كما نريد، بل ينبغي أن نتعلم فن إدارة الذات في عالم متغير ومتقلب، وأن نمتلك القدرة على وضع إستراتيجيات لحياة أكثر وعيًا من خلال وضع قواعد مشتركة تحمي كل طرف وتحترم خصوصياته وتضمن لنا حياة يسودها التفاهم والاتفاق ولا تسمح بتغول أحدنا على الآخر والارتقاء بوعينا عن الصغائر، وأن نسعى إلى قيام منظومة قيمية وأخلاقية تتوافق مع عصرنا وزماننا وتنسجم مع التغيرات الحديثة في عالمنا وتراعي الأبعاد الإنسانية التي تجمع بيننا منذ الأزل وحتى نهاية الطريق، وتسهم في بناء واقع جديد بعيدًا عن الألم والوجع ومغاير للخوف وللحزن وقائم على الثوابت العصرية من تعدد وتنوع وانفتاح، مع يقيننا الراسخ بأن واقعنا من صنع أفكارنا، وأن الانتصار في نهاية المطاف سيكون حليفا للأفكار والقيم والقوانين الكونية العادلة وليس لغيرها من تجبر وطغيان واستبداد.

زر الذهاب إلى الأعلى