مقالات الرأي

كسر حاجز الخوف.. من أجل ليبيا

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري

الشعوب الحيَّة، التي تؤمن بوطنها، لا تستسلم ولا تتراخى عن أداء واجباتها، فكل لحظة استرخاء هي فرصة يتسلل منها خُبَّار الهزيمة. وعلى هذا الأساس، فإن جماهير الشعب الليبي اليوم مطالَبة بكسر حاجز الخوف في وجه سلطات فاسدة تحكمها شبكات تُمعن في العبث بقوت المواطن ومصيره لم يعد الصمت أو المهادنة مجديًا، ولا يمكن الاستمرار في مجاراة أوهام أشباح ينهبون ثروات الوطن، ويتاجرون بآلام المواطن “الغلبان” الذي صبر طويلًا على التسويف والتضليل. 

الواقع القاتم، الذي يعيشه الليبيون اليوم، ليس وليد لحظة عابرة، بل نتيجة مؤامرة كبرى، تُعد الأضخم في تاريخ المؤامرات الحديثة، استهدفت الدولة الليبية في كيانها وجغرافيتها ونسيجها الاجتماعي، ومع استمرار “العشرينية الليبية” في الفشل السياسي والاقتصادي، تبرز الحاجة المُلِحَّة إلى استعادة الدولة الوطنية بشروط جديدة، تُراعي تحديات ما بعد الخراب، فمشروع “الفوضى الثالثة” لم يكن عفويًا، بل تأسس على سيناريوهات مركبة، أبرزها كذبة “أن النظام يقتل شعبه”، لتبرير التدخل الأجنبي تحت ذريعة “حماية المدنيين”.

لقد كانت هذه المسرحية المأساوية، أكبر غطاء لشن عدوان عالمي على ليبيا – عدوان مادي وعسكري عنيف – هو الأشرس منذ الحرب العالمية الثانية. وبمباركة “جامعة الدول العربية”، شُرعِن الغزو عبر مجلس الأمن، فانهالت صواريخ “التوماهوك” من البوارج الأمريكية في المتوسط، والطيران الفرنسي بقيادة الرئيس المرتشي “ساركوزي”، وبدعم مالي ولوجستي غير محدود من الإمارات وقطر، ضمن ما عُرف بـ”عملية أوديسا”، ثمانية شهور من العدوان لم تُسقط إرادة الليبيين، بل واجهوها بملحمة وطنية، جسّدتها قواتنا المسلحة وشعبنا المقاوم، رغم استهدافهم بالقذائف العنقودية واليورانيوم المُنضَّب، ومواقعهم الاستراتيجية والحيوية. 

اليوم، بعد كل ما جرى، آن الأوان لليبيين أن يُدركوا أن كسر حاجز الخوف هو السبيل الوحيد لاستعادة وطنهم، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية حقيقية، بعيدًا عن عبث الخارج وخيانات الداخل. إن اللحظة التي نعيشها اليوم تتطلب من كل الليبيين أن يقفوا صفًّا واحدًا لإنقاذ وطنهم من الانقسام والانهيار. لم يعد هناك وقت للانتظار أو التردد، فالتاريخ لا يرحم من يتقاعس في الدفاع عن بلاده.

لقد أثبتت الأحداث أن التبعية للخارج لا تجلب إلا الدمار، وأن الحل لا يمكن أن يأتي إلا من داخل الوطن بإرادة شعبه، الشعب الليبي قادر على استعادة قراره وبناء مستقبله إذا كسر حاجز الخوف وتحرك نحو التغيير الحقيقي، ليبيا لن تنهض إلا بسواعد أبنائها وبكلمة حق تقال في وجه الظلم، وبعمل وطني صادق ينقذ ما تبقى من مؤسساتها وكرامتها.

المرحلة التي نمر بها اليوم تتطلب من الجميع أن يتحمل مسؤوليته تجاه الوطن، فالوضع لم يعد يحتمل المزيد من السكوت أو التردد. ليبيا تنادينا جميعًا، ولا بد أن نكون على قدر هذا النداء. لقد جربنا سنوات التبعية والتدخلات الخارجية، وكانت النتيجة دمارًا ودمًا وانقسامًا لم يشهد له التاريخ مثيلًا، واليوم لا خلاص إلا بالرجوع إلى الإرادة الوطنية الحرة. علينا أن نؤمن بأن التغيير يبدأ من الداخل، من المواطن الذي يرفض الإهانة، ويطالب بحقه، ويقف في وجه الفساد. فلا شيء يمكن أن يهزم شعبًا قرر أن يعيش بكرامة، ووطنًا اختار أن ينهض من تحت الركام بإرادة أبنائه.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى