مقالات الرأي

أمة أصابها الوهن

بقلم/ محمد عبد القادر

لا يتسرب إلى ذهن أي عربي منتمٍ إلى هذه الأمة تاريخًا وقيمًا وأصالة أدنى شك في أن الأمة تعيش أوهن عصورها في كل جوانب الحياة، وكذلك بالضرورة هي تعيش أضعف مراحلها التاريخية على الإطلاق، وهذا ليس حالًا وقع بين ليلة وضحاها، لكن هو نتيجة صراع داخلي على امتداد خارطة الأمة وصراع خارجي على امتداد بؤر الصراع حول النفوذ بينها وبين أعدائها، خاصة بعد سقوط الأندلس وبغداد.

لذلك استهدف أعداء الأمة من البرتغاليين والإسبان والفرنسيين والإنجليز والهولنديين وغيرهم كل حصون الأمة وللتغلغل في جغرافيتها واستخدامها للسيطرة على العالم القديم، ويمكن القول بجلاء تام إن أعداء الأمة وجدوا أمامهم أمة لديها أسباب القوة والمنعة والقدرة في جميع مناحي الحياة متى كانت متوحدة ولها أهداف كبرى وقوتها كامنة فيها، لذلك استخلص أعداؤها بعد دراسة تاريخها جيدا الدروس المستفادة لمنع إعادة تفعيل قوتها ووحدتها لتكوين منعتها واستنهاض قوتها استراتيجيات لمواجهة وتفتيت قوتها وتوحدها وزيادة تعميق أزماتها واضمحلالها؛ لذلك وحدوا صفوفهم وشحذوا عقولهم وأداروا مراكز بحوثهم واستخلصوا عصارة تجاربهم في إعداد استراتيجية تفكيك الأمة وعرقلة تقدمها ومنع اتحادها وزيادة تعميق تخلفها وخلافاتها، وعملوا ما تم تنفيذه بإتقان وعلى مراحل حسب ظروف الأمة وأحوال أعدائها.

قد يقول قائل أنت تؤمن بنظرية المؤامرة وهي الأكذوبة التي مررها أصحاب المؤمرة ذاتهم، وكأنهم يقولون لك لا توجد مؤمرة، بل توجد نوايا حسنة، وتوجد جهات تتهم بالشيطنة، لكنها مظلومة، وهي ملائكية أكثر من الملائكة ذاتها معاذ الله.

فنظرية المؤامرة ظهرت في العام 1929 في مقالة اقتصادية، لكن جرى بداية استخدامها في العام 1960 في ذرة الصراع الدولي بين المنظومتين الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي والرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة، وتمت إضافتها إلى قاموس أكسفورد في العام 1997، ومضمونها هو أن أي فعل يحدث إنما حدث لتدبير مقصود ومتعمد ومخطط له وينفذ في الخفاء، فلا فعل يولد اعتباطًا أو يحدث عفويًّا وتلقائيًّا وبدون دوافع، هكذا هو المفهوم المتداول لمفهوم ومصطلح المؤامرة! ويرجع الفضل في تداول هذا المصطلح للعالم السياسي الأمريكي “مايكل باركون” ثم أصبح متداولًا بقوة في وسائل الإعلام خلال العام 1997 في أعقاب حرب الخليج الثانية التي استهدفت العراق، وكذلك في 2003 أعقاب الغزو الأمريكي للعراق.

إن المتتبع للحملات الإعلامية الغربية والعربية التابعة لها منهجًا وأدواتٍ وتأهيلًا وعناصر عمل وخبرات وتكنيكًا كلها موجهة لخدمة السياسة الغربية والأمريكية تحديدًا والكيان الممثل للغرب في المنطقة العربية، وهو الكيان الصهيوني الذي يمثل رأس حربة له، وتم إيجاده من أجل ذلك، ويمكننا أن نرجع إلى وثائق تكوين المنظمة الصهيونية وما ترافق مع تكوين الكيان الصهيوني ومحطاته التاريخية وتعدد المشاريع التي اقترحت عدة جغرافيات في العالم منها منطقة الجبل الأخضر والبحرين والإحساء ومدغشقر والأرجنتين وأوغندا الأفريقية وتقريبا كلها كانت تحت النفوذ البريطاني، لكن المشروع الذي تبنته الدول الغربية وبقيادة بريطانيا القوة الأكبر في ذلك الوقت وهيئت كل الظروف الدولية المناسبة لإعلان هذا الكيان وضغطت على عصبة الأمم لكي تتولى الوصاية على فلسطين فيما عرف بالانتداب البريطاني على فلسطين لتجهيزها لكي تكون دولة صهيونية، وكونت فيلقًا يهوديًّا بقيادة موشيه ديَّان لكي يكون نواة لجيش الكيان، وكونت الوكالة اليهودية لكي تكون مؤسسات تمهد لدولة الكيان، وقامت بكل الإجراءات التي سبقت الإعلان ثم كان إنهاء الانتداب البريطاني عقب إعلان الكيان الصهيوني، ثم تولى الغرب بقيادة بريطانيا ومن بعد الولايات المتحدة حماية الكيان اللقيط الذي أُريد له الشرعية فتم تلبيس الديانة اليهودية هويةً له واستخدام مفاهيم دينية وإلباسها ثوبًا سياسيًّا لتغطية المقاصد الحقيقية لإنشاء هذا الكيان المصطنع الذي نتج عن مؤتمر الدول الاستعمارية الثماني بقيادة بريطانيا بناءً على دعوة وجهها ليبرمان رئيس الحكومة البريطانية في عام 1905 إلى عام 1907 بلندن وقام بإعداد الوثيقة مجموعة من علماء هذه الدول الست وعلى رأسهم العلماء: “البروفيسور جيمس: مؤلف كتاب “زوال الإمبراطورية الرومانية”.

البروفسور لوي مادلين: مؤلف كتاب: “نشوء وزوال إمبراطورية نابليون”، والأساتذة: لستر وسميث وترتخ وزهروف” وطوال عامين متواصلين من الدراسة والبحث والاستخلاص ظهرت الوثيقة المذكورة آنفًا وعرضت على اجتماع لندن حضره رؤساء حكومات تلك الدول وأصدروا الوثيقة التي أنتجها مؤتمر علمي وسياسي لمجموعة من العلماء في مختلف التخصصات.

أنتج ما سُّمِّىَ بعد ذلك بوثيقة “كامبل بنرمان” التي تناولت كيفية تكوين كيان غريب عن المنطقة العربية يتخذ من فلسطين مقرًّا لدولته يكون دوره رأس حربة لعرقلة اتحاد العرب ونهضتهم، في نفس هذا المؤتمر الذي جمع مجموعة من أبرز علماء هذه الدول الست: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، وإيطاليا، وإحدى أهم الوسائل التي اتبعها الغرب المستعمر والذي لا يزال مهيمنا هيمنةً تامةً على كل مقدرات الأمة أن يتم نشر الميوعة الفكرية والصراعات الداخلية والحدودية بين الدول العربية وزرع الفتن وتأليب ما أطلقوا عليه حرية وحقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بالمفهوم الغربي ونشر الأكاذيب عبر الإعلام بوسائله المختلفة وكذلك الأجهزة الاستخبارية واستخدام الجواسيس المحليين، كل ذلك لتمزيق الكيان الموحد للدول والعمل القومي المشترك وصولًا إلى تفجير الدول من الداخل وتفتيت مؤسساتها لإعادة صنع خرائط جديدة، وهو ما سموه الشرق الأوسط الجديد. ما يحدث هو مخططات تنفذ، لكن يمكن للأمة أن تستنفر قواها وتعيد ترتيب أولوياتها، فالعدوان ليس قدرًا والخطط ليست مصيرًا.

زر الذهاب إلى الأعلى