مقالات الرأي

واجهات بلا مشروع

بقلم/ ناصر سعيد

على مدار أكثر من عقد، تصدَّر عدد من الساسة الليبيين المشهد السياسي دون أن يقدّموا حلولًا ناجعة لأزمات البلاد المتفاقمة. تكرار الوجوه وتبدُّل المناصب، دون تحقيق تقدم حقيقي في مسارات الاستقرار أو التنمية، باستثناء ما قامت به القوات المسلحة في شرق البلاد وجنوبها من بسط الأمن وإعادة الإعمار، يطرح تساؤلًا جوهريًّا: هل يمثّل هؤلاء الساسة الإرادة الشعبية فعلًا، أم أنهم مجرد واجهات تُدار من خلف الكواليس؟

في الواقع، تتقاطع في ليبيا أجندات متعددة، بعضها داخلي تغذِّيه شبكات مصالح اقتصادية قائمة على الفوضى، وأخرى خارجية تسعى إلى ترسيخ نفوذ جيوسياسي واقتصادي. السياسيون الذين يتصدرون المشهد اليوم لا يُنظر إليهم كصناع قرار مستقلين، بل كأدوات بيد قوى داخلية تمتلك المال والسلاح، وتحرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه، حيث تشكِّل الفوضى مصدرًا للربح والنفوذ. هؤلاء لا يحملون مشروعًا وطنيًّا جامعًا، بل تُحرِّكهم الولاءات الضيقة والصفقات المؤقتة.

أما الأطراف الخارجية، فقد وجدت في ليبيا ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. من خلال دعم بعض القوى محليًّا بالتمويل أو السلاح أو الغطاء السياسي، بات بإمكانها التأثير في القرار الليبي، إلى درجة ممارسة نوع من “الوصاية” على مستقبل البلاد. وقد ساعد غياب مؤسسة سياسية موحَّدة وفاعلة على ترسيخ هذا التدخل، ما جعل السيادة الوطنية عرضة للابتزاز والمساومة.

النتيجة الطبيعية لذلك هي انسداد سياسي مستمر، ومشهد عبثي يُدار من خلف الستار، حيث لا مكان لصوت المواطن، ولا حضور لمشروع وطني حقيقي. وإن لم يتم تجاوز هذه المرحلة، فإن المستقبل ينذر بمزيد من الانقسام والتفكك.

إن استعادة ليبيا لن تتحقق عبر المؤتمرات الدولية، ولا من خلال صفقات سياسية انتقائية أو إحاطات دورية في منابر الأمم المتحدة. كما لن تنبع من اتفاقات تُكرِّس تقاسم السلطة بين المتنازعين، بل من وعي شعبي يرفض الوصاية ويصطف خلف مشروع وطني قادر على النهوض بالبلاد، والاستجابة لتطلعات المواطنين، ووضع حد للمعاناة اليومية، والعبث السياسي، والنهب الاقتصادي، والتفريط المستمر في السيادة.

إن بناء الدولة لا يتم إلا بتوحيد جهود القوى الوطنية كافة، لصياغة مشروع جامع ومستقل، لا يخضع للإملاءات الخارجية، ويرتكز إلى ثوابت وطنية راسخة، في مقدِّمتها الحفاظ على وحدة التراب الليبي، واستقلال القرار، وتعزيز الأمن الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى