لنخرج عن الوصاية المستترة!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
انتقد البعض دعوتي إلى إجراء انتخابات بتنظيم وإشراف دولي كامل، رغم قناعاتهم بالمبررات التي أوردتها لتقديم دعوتي تلك، وأهمها عدم وجود بارقة أمل في الأفق على إمكانية تنظيم انتخابات عامة من خلال سلطات ليبية في ظل سيطرة مجموعات مسلحة، أغلبها غير منضبط، على المشهد العام، والدور الخطير الذي يلعبه المال الفاسد في الحياة السياسية الليبية.
النقطة الأساسية التي بنى عليها المنتقدون وجهة نظرهم، أن ما طرحناه يظهرنا وكأننا ندعو إلى وصاية دولية على ليبيا، وهو أمر غير مقبول لا سياسيًّا ولا أخلاقيًّا ولا وطنيًّا، لا شك في ذلك، لكن الواقع ليس كالطموحات والأماني، فليبيا من الناحية العملية تحت الوصاية الدولية، تدار من قبل الدول الغربية منذ 2011، فالغرب هو من شكل سلطاتها وفرضها بالقوة المسلحة ودعمها سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، ويغمض عينيه عن معاناة الليبيين وعن حالات النهب الخطيرة التي يتعرض لها الشعب الليبي والدولة الليبية.
في 2011 شكل الغرب ما سمي المجلس الانتقالي واعترف به اعترافًا كاملًا وفرضه ممثلًا وحيدًا للشعب الليبي، وفرض قراراته بقوة التدخل العسكري للناتو وحلفائه الذي استمر ثمانية أشهر كاملة دمَّرت مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية في ليبيا، وبعد أن تمكن الغرب من إسقاط النظام الوطني وفرض سلطة المجلس الانتقالي واستبدال المؤسسات الأمنية والعسكرية بالميليشيات الأيديولوجية والإجرامية، حاولوا إظهار نوع من الاستقلالية للشعب تمامًا كما فعلوا قبل ذلك في أفغانستان والعراق، ففي العراق رغم تعيين حاكم عسكري أمريكي هو بول بريمر حاولوا بناء ديكور ديمقراطي، بتشكيل ما عرف وقتها مجلس الحكم بعد سقوط بغداد واحتلال العراق، وهكذا الحال في أفغانستان، حيث شكلوا ما عرف باللوياجيركا ونصب كرزاي رئيسًا لأفغانستان بالقوة الأمريكية واستمر الحال إلى حين طردوهم أذلاء في رحلة هروب كررت مشهد الهروب الكبير من فيتنام.
في ليبيا حاولوا تطبيق نفس السيناريو تمامًا بأن أجروا انتخابات صورية بقوانين انتخابية منعت أغلب الليبيين من المشاركة ترشيحًا وانتخابًا، وعندما شعروا أنه حتى بهكذا انتخابات صورية فإن الزمام قد يفلت من بين أيديهم، فابتدعوا خدعة لجان الحوار وفرضوا مخرجاتها، ووضع مجلس النواب المنتخب نظريًّا وفقًا للقانون الذي وضعه عام 2014 جانبًا، وتم التعامل مع سلطات أخرى كونوها هم من خلال لجنة حوار الصخيرات، التي شكلها ليون من أناس مجهولين ووضع مخرجاتها، وهي سلطات قيل وقتها إنها مؤقتة لغرض واحد هو تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة، ولكنها استمرت لفترة طويلة، سلطة حكومة فايز السراج قيل وقتها إنها ستستمر لمدة عام وتجري انتخابات عامة، لكنها استمرت خمس سنوات وخرجت نتيجة حرب ضروس، تلتها حكومة عبدالحميد الدبيبة التي قيل إنها ستستمر بضعة أشهر وستجرى انتخابات حدد وقتها في عشرين ديسمبر 2021، لكنها مستمرة إلى اليوم وربما إلى وقت طويل آخر وقد تخرج أيضًا هي نتيجة حرب ضروس نتمنى من الله أن لا تقع.
من جانب آخر فإن سفراء الدول الغربية النافذة – الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا- هم من يديرون عمليًّا المشهد، ويتصدرون الأخبار أيضًا، فتراهم يجتمعون هنا وهناك مع كل المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والأمنيين وغيرهم، ويناقشون أمورًا ناحية القوانين المحلية والدولية، والمنطق كان ينبغي أن تكون أسرارًا للدولة لا يطلع عليها سفراء دول أجنبية بأي حال من الأحوال.
التدخل الدولي في حقيقة الأمر هو أمر كائن ومعلن، وإن حاول البعض إضفاء شكل من الاستقلالية على سلطات ليبية هشة لا تمتلك من أمرها شيئًا.
دعوتي إلى إجراء انتخابات بإدارة وإشراف دوليين تأتي من هذه المعطيات، ومن واقع ما يجري، فإذا كان التدخل الدولي أمرًا واقعًا ولا مجال لتغييره في الوقت الراهن فعلى الأقل نتعامل معه بما يخدم بناء الدولة الجديدة المستقلة من خلال بناء سلطات تتمتع بشرعية شعبية تمكنها من رفع صوتها والمطالبة بالاستقلال التام.
نعم لم يمكن تحقيق الاستقلال التام إلا بالقوة وهذا يتطلب وجود من يمتلكون زمام أمرهم ويعدون قوتهم ليحرروا بلادهم من الهيمنة الأجنبية، وهذا أمر قائم ومتاح دائمًا، وقد يقع في أي وقت كما انتصر الفيتكونغ في فيتنام وطالبان في أفغانستان.
ما نحتاجه اليوم هو الخروج من الضبابية المفروضة، هل نحن مستقلون فعلًا أم لا؟، ولذلك من المهم إظهار التدخل الخارجي المستتر ومحاولة توجيهه لما يخدم المصلحة الوطنية الليبية سلميًّا، بأن ندعوهم إن كانوا صادقين في دعم الشعب الليبي للمساهمة في تمكينه من بناء سلطة وطنية من خلال انتخابات عامة حرة ونزيهة قدر الإمكان، وأن يعترف المجتمع الدولي أولًا بنتائجها، وثانيًا أن يمكنها ويساعدها في فرض سلطتها على كامل البلاد الليبية، وأن يكف يده عن العبث بها.