مقالات الرأي

نداء عاجل للتبرع بالدم

بقلم/ د. علي المبروك أبوقرين

تطالعنا باستمرار وعلى مدار الساعة نداءات عاجلة للتبرع بالدم على مجموعات ومنصات التواصل الاجتماعي، لإنقاذ حياة مرضى بالمستشفيات العامة والمصحات الخاصة.

وتوحي النداءات بشح وندرة الدم وصعوبة تأمينه، وعدم وجود نظام وآلية وإدارة محكمة لخدمات بنوك الدم المركزية ومصارف الدم بالمستشفيات، والتي تُعد من الركائز الأساسية لإنقاذ حياة المرضى وضحايا الحوادث والكوارث والحروب، ودعم العمليات الجراحية والعنايات، وعلاج الأمراض المزمنة والخطيرة، ومنها الثلاسيميا والهيموفيليا والأنيميا المنجلية والأورام وغيرها.

الحاجة ماسة للدم ومشتقاته من كريات حمراء وبلازما وصفائح دموية وعوامل تجلط، ولذلك لا معنى ولا قيمة لأي نظام صحي لا يملك بنوك دم مركزية وفرعية بالمستشفيات والمراكز الصحية، لأنها تعزز الأمن الصحي وتمنع عشوائية التبرع وما ينتج عنها من خطورة.

بنوك الدم هي التي تؤمّن الاحتياجات من الدم الآمن والسليم ومشتقاته بالكميات المطلوبة والمطابقة على مدار الساعة، وتأمينه بالطرق السليمة والآمنة والعاجلة لكل من يحتاجه في أي مكان داخل البلاد. لذلك، من الضروري أن تتوفر بنوك دم مركزية في المدن الكبرى، والمستشفيات، والمراكز الصحية المتخصصة.

لبنوك الدم مواصفاتها الإنشائية واللوجستية وهياكلها التنظيمية (إدارات متخصصة، وأطباء أمراض معدية وأمراض دم، وأخصائيون في الأحياء الدقيقة، وفنيّو مختبرات، وتمريض متخصص في السحب ومراقبة حالة المتبرعين، وأخصائيون في الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوى)، مع الالتزام بالمعايير التشغيلية المعتمدة.

بنوك الدم هي التي تستقبل المتبرعين الطوعيين، وتجري لهم الفحوصات الطبية اللازمة، وبها تتم الفحوصات المخبرية عن الإيدز، والالتهابات الكبدية، والملاريا، والزهري، وغيرها. كما يتم بها فصل مكونات الدم، والتوافق المناعي، وتحديد الفصيلة والأجسام المضادة، وضمان التوافق بين المتبرع والمريض، وكذلك التخزين والحفظ في درجات حرارة متفاوتة ومخصصة لكل صنف، ومنها يتم التوزيع وتلبية الاحتياجات.

لبنوك الدم سياسات واضحة وصارمة لكل ما سبق، بما في ذلك سياسات التتبع، والإبلاغ عن الحوادث، ونقل العدوى، ورصد الأعراض السلبية بعد عمليات نقل الدم. وتقع على بنوك الدم المسؤولية القانونية الكاملة عن سلامة الدم ومشتقاته، وصحة المطابقة، وعن أي ضرر مثل العدوى أو التحسس أو التفاعل الخطير، مع التأكد من صحة المتبرع، والالتزام بالسرية التامة لبياناته، وعدم استخدام الدم لأغراض غير مصرّح بها، وتحمل المسؤولية التامة في توثيق جميع مراحل العمليات من التبرع إلى الاستخدام النهائي.

ولتعزيز بنوك الدم، وتسريع الاستجابة، وتقليل الأخطاء الطبية، من الضروري إدراج فصيلة الدم لكل مواطن في جميع الهويات ورخص القيادة والتعريفات، وتنظيم حملات التبرع بالدم، ونشر التوعية المجتمعية لتعظيم الفائدة، وضمان وفرة الدم ومشتقاته العامة والنادرة، وللحالات الخاصة بجميع المدن والقرى، والاحتفاظ بمخزون استراتيجي على مستوى الدولة.

ويتطلب ذلك توحيد الفحوصات والمعايير، وضمان الفاعلية والكفاءة التشغيلية، والأمان البيولوجي، والالتزام بالضوابط الأخلاقية والمهنية والقانونية، وعدم الاتجار في الدم لأنه ليس سلعة، ويُمنع بيعه أو استغلال المتبرعين تجاريًا.

ولتقليل الاعتماد على التبرع الفوري، وتوفير علاجات منقذة للحياة، وتعزيز الأمن الصحي، يجب على الدولة تأمين صناعة مشتقات الدم محليًا، ومنها البلازما ومشتقاتها مثل الألبومين، والجلوبولين المناعي، وعوامل التجلط، والفايبرينوجين المركز، والإميونوجلوبلين، مع ضرورة تدريب الكوادر على السلامة البيولوجية، والتعامل مع الطوارئ، والتحقق المخبري، واستخدام معدات وأدوات وفحوصات وبروتوكولات موحدة ومعتمدة، وسجلات إلكترونية، وتدقيق ومراقبة ومراجعة داخلية وخارجية مستمرة.

الدم ومشتقاته من أساسيات وركائز الخدمات الصحية لأي نظام صحي فعّال.
إن انتشار نداءات الحاجة للدم أو مشتقاته، وتحمل المرضى وذويهم مسؤولية تدبيره، ظاهرة سلبية تعكس فوضى وانهيار النظام الصحي.

زر الذهاب إلى الأعلى