مقالات الرأي

صناعة الوهم – الجزء الثاني

بقلم/ محمد عبدالقادر

التطور في الوسائل والاستراتيجيات في صناعة الأوهام: إذا كانت صناعة الوهم في وقت غوستاف لوبون تحتاج إلى زمن كبير فإنها الآن بعد انتشار منصات وسائط التواصل الاجتماعي لا تحتاج إلى وقت طويل، وأصبح سهلًا جدًّا تسويق الأوهام باعتبارها حقائق، وتحشيد الناس حولها وصنع حالة موهومة من السعادة المرتبطة بالمتعة أو بالاستهلاك ومزيد من الاستهلاك. 

في الأزمنة السابقة كانت صناعة الوهم وتضليل الشعوب مهمة تحتكرها الدولة ومؤسساتها الإعلامية، ولكنها أصبحت الآن في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي متاحة لكل من يحاول الترويج لنفسه باعتباره “خبيرًا” أو “متخصصًا” أو غيرها من العناوين التي بدأت تغزو منصات الفيسبوك وX تويتر سابقًا واليوتيوب من دون رقيب أو حسيب، فالقائمون على هذه المنصات لا يهتمون إلا بمنع خطاب الكراهية والعنف ويتم هذا بمنظور أيديولوجي ووفق المعايير الغربية المهيمنة عليها باعتبارها منبثقة منهم وتحت سيطرتهم، ومن خلال التجربة الذاتية نشرت صورة للشهيد عمر المختار وهو ملقى في الصحراء بعد إعدامه للتنكيل بجثمانه الطاهر فرد عليَّ الفيسبوك بتغطية الصورة أو بحجبها معللًا ذلك بالحفاظ على عدم إزعاج المشاهد من منظر غير مرغوب، فرددت على الفيسبوك بأنه يفعل ذلك للتغطية على جرائم الفاشية في إيطاليا فقام الفيسبوك بإلغاء التظليل على الصورة.

صناعة الوهم 

هي إحدى أهم وسائل السياسيين الذين يفشلون في تقديم منجز لمجتمعاتهم، ولذلك هم يحشدون كل قدراتهم وإمكاناتهم في الترويج وخلق نموذج للحقيقة التي يجري تقديمها وهي وهم صارخ.

وعندما يتواطأ الكثير من دعاة النخبوية والثقافة مع السياسيين في تنميط وعي الناس بأوهام من صنيعتهم، عندها تكون مهمتهم تسويق التفاهة والترويج لأوهام من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد ستكون النتيجة النهائية صناعة (الأُمِّيين الجدد)، ومن ثم تكون محاولة الوقوف أمام تلك الأوهام مهمة شاقة وصعبة ومعركة طويلة، لاسيما في مجتمع تهيمن عليه ثقافة الثنائيات المتعارضة، إما معنا أو ضدنا.

تعتقد قوى السلطة بأنها لا يمكن أن تفرض نفوذها على الناس إلا من خلال اكتساب شرعية وجودهم السياسي، فالإبقاء على المجتمع منقسمًا هو الفرصة الوحيدة لضمان تجديد بقائها في السلطة، فالقوى السياسية الآن لا تريد أن تقدم نفسها بعناوينها الحزبية ومشاريعها ومساهماتها التي تؤكد مشروعية تفويضها في السلطة، وإنما تريد الإبقاء على عناوين تجمع المكونات الطائفية والمذهبية والجهوية والقبلية، وإن أي تفككك أو انقسام سياسي في هذه البيوتات (هو تهديد للعملية السياسية وحتى السلم الأهلي).

صناعة الوهم باتت أقصر الطرق للتغطية على الفشل في إدارة الدولة التي أنتجتها عبثية قوى السلطة وزعاماتها.

في الجانب الآخر يستمر صنع الوهم وتحويله إلى حقيقة وتزييف مستمر للحقائق وتشويه الخصم وشيطنته على المستوى الدولي من قبل أدوات الهيمنة الدولية باستخدام طاقات هائلة من أجهزة الإعلام والدعاية التي تسوق ليل نهار لحالة موازية للحقيقة قد تتمتع بشيء من الحقيقة، لكنها ليست حقيقة مطلقًا حتى تصل إلى حالة السيطرة التامة على العقول وتوجيهها إلى درجة أنه لم تعد ترى أو تصدق الحقائق الواضحة في الميدان والبراهين الدالة عليها، لكنها تصدق السردية التي تقدمها قوى الهيمنة.

زر الذهاب إلى الأعلى