من يلجم الفرس الجموح؟
بقلم/ فرج بوخروبة
“الخيل من خيالها” هو مثل عربي قديم، يعني: استقامة الخيل في السير وطواعيتها إذا ما عرف الخيال أو الفارس كيف يعاملها ويسيرها حسبما يريد، فهو الفارس والقائد، والخيل تبقى خيلًا، وهي أنواع وسلالات كثيرة، فعالم الفروسية مليء بالدروس الإنسانية والعبر وعلم في حد ذاته، وإذا ما اقتضى الأمر فهم ذلك من الناحية العملية كإسقاطات على الجموع البشرية الجانحة للتفرد والتنافس وحب الذات والسيطرة بحكم الحالة الطبيعية التي جبل عليها الإنسان منذ بداية الخلق والنشأة.
فالانفلات الأمني وانتشار الفوضى وذهاب الدولة إلى الانهيار والفساد وسوء الإدارة، في ظل وجود نظام مترهل لا يراعي المصالح الوطنية، بل وغير قادر على التحكم والسيطرة على البلاد ولاسيما بعد أن أصبحت الدولة في مرحلة انتقالية متدحرجة أخذت طابع الحركة من مرحلة انتقالية إلى أخرى، ما أدى إلى تراجع فرص التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى درجة صعب معها إيجاد الحلول اللازمة للخروج منها بشكل أفضل إلا بوجود قيادة ملهمة، عزمٌ وحزمٌ، ورؤيةٌ ثاقبة حكيمة! حينها فقط يستقيم معها الوضع الطبيعي على الأرض وينتج عنها تغيرات في الحزم والقيادة وهو اتخاذ اللازم من القرارات بقوة وصرامة، وذلك لرغبة القائد في تحقيق الاستجابة المثلى من لدنه حتى تتحقق الأهداف والتطلعات المرتبطة باستقرار الحياة البشرية واستتباب أمنها، فمتى ما يكون الحزم ضروريًّا تقدم الإنسان إلى مستوى آخر من الحياة البشرية المستقرة، وقيل في الحزم:
- رب رأي أنفع من مال، وحزم أوفى من رجال.
- ومن لم يقدمه الحزم، أخره العجز.
- والحزم يوجب السرور، والتغرير يوجب الندامة.
ويتحدد ذلك في معنى الحزم إذ إن لفظة الحزم تدل على القوة والاجتماع، ويدخل في معناها حسن التصرف واتخاذ المواقف الواضحة بقوة وإصرار، والحازم هو الذي جمع زمام نفسه بقوة مواقفه وزمام الآخرين لحزم قيادته.
يصف أحدهم شخصية القيادة الحازمة فيقول: إن القيادة الحازمة هي التي تحافظ على تفكير واضح ومنطقي رغم المتاعب، وتبحث عن الحقيقة والتمسك بها بكل إصرار مهما كلف الأمر، وتثبت في المأزق بكل صبر ولو انسحب الجميع من حولها، وتحكم بدون تحيز لآرائها وتصرفاتها الشخصية وتعترف بأخطائها بكل صدق وأمانة، وتظهر هنا العلاقة بين القيادة الناجحة واتسامها بالحزم بوضوح، إذ إن من أهم معاني القيادة القدرة على امتلاك زمام الأمور، وهذا لا يتأتى للقيادة إلا بعد أمور كلها من معاني الجزم: أولها: القدرة على تسيير الأمور وقت الرخاء والشدة، فالرجل الضعيف المتخاذل لا يستطيع أن يقود أفراده ويوحد صفوفهم ويشد أواصرهم وقت الرخاء، فكيف به وقت الشدة حيث تزداد الحاجة إلى الحزم والقوة، ثم الوقوف أمام الأهواء، فالرئيس الحازم لا تتلاعب به الأهواء ولا تتقاذفه الآراء، فبحزمه يستطيع أن يضع الأمور في نصابها الصحيح دون أن يدع فرصة للأمور أن تتسيب أو تسير لتخدم غير المصلحة المناطة في عنقه، فهو وبحكمته وحزمه يسمع لذوي الحجة والمنطق الصحيح ويقف واضحًا حازمًا أمام ذوي الأهواء ما يؤهله للسير بقافلته دون تعثر.
كما هو الوصول إلى الهدف ولو كان صعبًا سمة الحازم فمعنى الإصرار لا يفترق عن معنى الحزم، إذ إن القائد الحازم الذي رسخ في نفوس مرؤوسيه ضرورة تحقيق الهدف، يجد نفسه في مقدمة من يصر ويسعى جادًا ليكون قدوة بحزمه وإصراره حتى يصل هو ومرؤوسوه إلى ما تطلعوا إليه، وذلك خلاف القائد المتخاذل الذي ينقطع به الطريق في المنتصف، والقدرة على اتخاذ القرار وتحديد الموقف الصحيح من أهم سمات القائد الحازم, فهو لا يدع للشك والتردد سبيلًا إلى نفسه.
وأخيرًا تحمل المسؤولية وأعبائها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسمة القيادة الحازمة، إذ إن الحزم أول الطريق لا يعني شيئًا ولا يحقق أي منفعة إذا لم يترتب عليه الوصول إلى نهاية الطريق بكل تبعاتها وعندها يدرك المرؤوسون أن حزم قيادتهم ليس مجرد أزمة عابرة، بل هي سمة متلازمة مع كونهم قادة بيدهم زمام الأمور، وهذا الاستنتاج هو ما تحتاجه الدولة الليبية المتفككة الغارقة في وحل النزاعات المسلحة حتى حين.